الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                وسئل رحمه الله عمن يرفع قبل الإمام ويخفض ونهي فلم ينته فما حكم صلاته ؟ وما يجب عليه ؟ .

                التالي السابق


                فأجاب : أما مسابقة الإمام فحرام باتفاق الأئمة . لا يجوز لأحد أن يركع قبل إمامه ولا يرفع قبله ولا يسجد قبله . وقد استفاضت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك كقوله في الحديث الصحيح : " { لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود فإني مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت إني قد بدنت } وقوله " { إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم } { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلك بتلك وإذا قال : سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد يسمع الله لكم وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم فتلك بتلك } .

                [ ص: 337 ] وكقوله صلى الله عليه وسلم " { أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار } وهذا لأن المؤتم متبع للإمام مقتد به والتابع المقتدي لا يتقدم على متبوعه وقدوته فإذا تقدم عليه كان كالحمار الذي لا يفقه ما يراد بعمله كما جاء في حديث آخر : " { مثل الذي يتكلم والخطيب يخطب كمثل الحمار يحمل أسفارا } .

                ومن فعل ذلك استحق العقوبة والتعزير الذي يردعه وأمثاله كما روي عن عمر : أنه رأى رجلا يسابق الإمام فضربه . وقال : لا وحدك صليت ولا بإمامك اقتديت .

                وإذا سبق الإمام سهوا لم تبطل صلاته لكن يتخلف عنه بقدر ما سبق به الإمام كما أمر بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن صلاة المأموم مقدرة بصلاة الإمام وما فعله قبل الإمام سهوا لا يبطل صلاته ; لأنه زاد في الصلاة ما هو من جنسها سهوا فكان كما لو زاد ركوعا أو سجودا سهوا وذلك لا يبطل بالسنة والإجماع ولكن ما يفعله قبل الإمام لا يعتد به على الصحيح ; لأنه فعله في غير محله لأن ما قبل فعل الإمام ليس وقتا لفعل المأموم فصار بمنزلة من صلى قبل الوقت أو بمنزلة من كبر قبل تكبير الإمام فإن هذا لا يجزئه عما أوجب الله عليه ; بل لا بد أن يحرم إذا حل الوقت لا قبله وأن يحرم المأموم إذا أحرم الإمام لا قبله . فكذلك المأموم [ ص: 338 ] لا بد أن يكون ركوعه وسجوده إذا ركع الإمام وسجد لا قبل ذلك فما فعله سابقا وهو ساه عفي له عنه ولم يعتد له به فلهذا أمره الصحابة والأئمة أن يتخلف بمقداره ليكون فعله بقدر فعل الإمام .

                وأما إذا سبق الإمام عمدا ففي بطلان صلاته قولان معروفان في مذهب أحمد وغيره ومن أبطلها قال : إن هذا زاد في الصلاة عمدا فتبطل كما لو فعل قبله ركوعا أو سجودا عمدا فإن الصلاة تبطل بلا ريب وكما لو زاد في الصلاة ركوعا أو سجودا عمدا . وقد قال الصحابة للمسابق : لا وحدك صليت ولا بإمامك اقتديت ومن لم يصل وحده ولا مؤتما فلا صلاة له وعلى هذا [ فعلى ] المصلي أن يتوب من المسابقة ويتوب من نقر الصلاة وترك الطمأنينة فيها وإن لم ينته فعلى الناس كلهم أن يأمروه بالمعروف الذي أمره الله به وينهوه عن المنكر الذي نهاه الله عنه . فإن قام بذلك بعضهم وإلا أثموا كلهم .

                ومن كان قادرا على تعزيره وتأديبه على الوجه المشروع فعل ذلك ومن لم يمكنه إلا هجره وكان ذلك مؤثرا فيه هجره حتى يتوب . والله أعلم




                الخدمات العلمية