الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1667 [ ص: 178 ] 143 - باب : الطيب بعد رمي الجمار والحلق قبل الإفاضة

                                                                                                                                                                                                                              1754 - حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان، حدثنا عبد الرحمن بن القاسم ، أنه سمع أباه -وكان أفضل أهل زمانه- يقول: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي هاتين حين أحرم ولحله حين أحل، قبل أن يطوف. وبسطت يديها. [انظر: 1539 - مسلم: 1189 - فتح: 3 \ 584]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              حدثنا علي بن عبد الله ، ثنا سفيان، ثنا عبد الرحمن بن القاسم ، -وكان أفضل أهل زمانه- أنه سمع أباه -وكان أفضل أهل زمانه- يقول: سمعت عائشة تقول: طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي هاتين حين أحرم ولحله حين أحل، قبل أن يطوف، وبسطت يديها.

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث سلف في (باب الطيب عند الإحرام) والقاسم هذا هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أحد الفقهاء السبعة، قال عمر بن عبد العزيز : لو لم يجعل سليمان الأمر إلى يزيد بعدي لندبتها في عنق القاسم بن محمد ، يعني: الخلافة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (وكان أفضل أهل زمانه) في كل منهما، وفي الأطراف أن كلا من علي بن المديني وعبد الرحمن بن القاسم يقول ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              وقولها: (ولحله حين أحل) حمله مالك على ما بعد رمي جمرة العقبة، ورآه من خواصه; لأنه كان يخاطب الملك، وحمله غيره على طيب لا رائحة له، ومنهم من ادعى نسخه، وكله بعيد، وقد أسلفنا [ ص: 179 ] خلاف العلماء فيه هناك، وبوب عليه البخاري: (والحلق قبل الإفاضة) وذلك لقولها: (ولحله حين أحل) والحل هو الحلق.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن المنذر: اختلف العلماء فيما أبيح للحاج بعد رمي جمرة العقبة قبل الطواف بالبيت، فروي عن ابن عباس ، وابن الزبير، وعائشة أنه يحل له كل شيء إلا النساء، وهو قول سالم، وطاوس، والنخعي، وإليه ذهب أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، واحتجوا بحديث عائشة في إباحة الطيب لمن رمى جمرة العقبة قبل طواف الإفاضة، قالوا: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة على من خالفها.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن المنذر: وقولها: (ولحله) يدل على أنه حلال من كل شيء إلا النساء الذي دل على المنع منه الخبر والإجماع.

                                                                                                                                                                                                                              وروى عمر وابنه أنه يحل له كل شيء إلا النساء والطيب. وقال مالك: يحل له كل شيء إلا النساء والصيد، وفي "المدونة": أكره لمن رمى جمرة العقبة أن يتطيب حتى يفيض، فإن فعل فلا شيء عليه لما جاء فيه، فعلى هذا القول الصحيح من مذهب مالك أنه يحل له كل شيء إلا النساء والصيد، واحتج لمالك في تحريم الصيد على من لم يفض بقوله تعالى: لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم [المائدة: 95] وليس له إذا أحل [ ص: 180 ] له الحلق أن يخرج عن كونه محرما; لأن الحلق والطيب واللباس قد أبيح على وجه، ولم يخرج بذلك عن كونه محرما; لذلك يحل له بعد الرمي أشياء، ويبقى عليه تحريم أشياء وهو محرم، وقوله تعالى: وإذا حللتم فاصطادوا [المائدة: 2] يقتضي الحال التام، وأن لا يبقى شيء من الإحرام بعد الإحلال المطلق، ومن بقيت عليه الإفاضة فلم يحل الإحلال التام، ومثله قوله تعالى: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن [الطلاق: 4] فلو وضعت واحدا وبقي آخر لم يكن قد وضعت الوضع التام; لأن الرجعة قبل وضعها الثاني تصح.

                                                                                                                                                                                                                              واحتج الطحاوي لأصحابه بحديث عائشة مرفوعا: "إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شيء إلا النساء" فيه الحجاج بن أرطأة، وبحديث الحسن العرني، عن ابن عباس -ولم [ ص: 181 ] يسمع منه قال: إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء، فقال له رجل: والطيب؟ فقال: أما أنا فقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضمخ رأسه بالمسك، أفطيب هو؟! وروى أفلح بن حميد ، عن أبي بكر بن حزم قال: دعانا سليمان بن عبد الملك يوم النحر، أرسل إلى عمر بن عبد العزيز ، والقاسم، وسالم، وخارجة بن زيد، وعبد الله بن عبد الله بن عمر ، وابن شهاب [ ص: 182 ] فسألهم عن الطيب في هذا اليوم قبل الإفاضة، فقالوا: تطيب يا أمير المؤمنين.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن المنذر: واختلفوا فيمن جامع بعد رمي الجمرة قبل الإفاضة، فروي عن عمر أن عليه حج قابل، وعن الحسن، والنخعي، والزهري مثله، وقال النخعي، والزهري: وعليه الهدي مع حج قابل وقال ربيعة ومالك: يعتمر من التنعيم ويهدي، وقال أحمد، وإسحاق: يعتمر من التنعيم، وقال ابن عباس : عليه بدنة وحجه تام، وعن عطاء، والشعبي مثله، وهو قول الكوفيين والشافعي وأبي ثور.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية