الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 1077 ] [ 48 ] باب في الأضحية

الفصل الأول

1453 - عن أنس - رضي الله عنه - قال : ضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين أقرنين ، ذبحهما بيده وسمى وكبر ، قال : رأيته واضعا قدمه على صفاحهما ويقول : بسم الله ، والله أكبر . متفق عليه .

التالي السابق


[ 48 ] - باب في الأضحية

بضم الهمزة ، ويكسر ، وبتشديد الياء على ما في الأصول المصححة ، وأما قول ابن حجر : وبتخفيفها ، فمحتاج إلى نقل صريح أو دليل صحيح . قال النووي في شرح مسلم : في الأضحية أربع لغات ، وهي اسم للمذبوح يوم النحر ، الأولى والثانية : أضحية وإضحية ، بضم الهمزة وكسرها ، وجمعها أضاحي بالتشديد والتخفيف ، الثالثة : ضحية ، وجمعها ضحايا ، والرابعة : أضحاة بفتح الهمزة ، والجمع أضحى ، كأرطأة وأرطى ، وبها سمي يوم الأضحى ، وقيل : لأن الأضحية تفعل في الضحى ، وفي الأضحى لغتان : التذكير لغة قيس ، والتأنيث لغة تميم ، وهو منصرف ذكره السيد . وقال الطيبي : الأضحية ما يذبح يوم النحر على وجه القربة ، وبه سمي يوم الأضحى ، ويقال : ضحى بكبش أو غيره إذا ذبحه وقت الضحى من أيام الأضحى ، ثم كثر حتى قيل ذلك ولو ذبح آخر النهار . وقال الراغب : تسمية الأضحية بها في الشرع لقوله - عليه الصلاة والسلام - : من ذبح قبل صلاتنا هذه فليعد اهـ .

وهي مشروعة في أصل الشرع بالإجماع ، والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى : فصل لربك وانحر أي : صل صلاة العيد ، وانحر النسك ، كما قاله جمع مفسرون ، واختلف هل هي سنة أو واجبة ؟ فقال مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وصاحبا أبي حنيفة : هي سنة مؤكدة . وقال أبو حنيفة : هي واجبة على المقيمين من أهل الأمصار ، واعتبر في وجوبها النصاب . قال ابن حجر : ودليلنا ما جاء بسند حسن : أن أبا بكر وعمر كانا لا يضحيان مخافة أن يرى الناس ذلك واجبا ، وفيه أنه محمول على أنهما ما كانا من أهل الوجوب ، وتعليلها وقع لتوهم عموم الوجوب ، ومما يدل على الوجوب مواظبته - عليه الصلاة والسلام - عشر سنين مدة إقامته بالمدينة ، وقوله - عليه الصلاة والسلام - فيما سبق : فليذبح أخرى مكانها فإنه لا يعرف في الشرع الأمر بالإعادة إلا للوجوب ، وحمله على الندب كما فعله ابن حجر مردود ، ومما يؤيد الوجوب خبر : من وجد سعة لأن يضحي فلم يضح فلا يحضر مصلانا وأما قول ابن حجر : أنه موقوف على أبي هريرة فمرفوع ; لأن مثل هذا الموقوف في حكم المرفوع .

الفصل الأول

1453 - ( عن أنس قال : ضحى ) من التضحية أي : ذبح على وجه القربة الأضحية . ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكبشين ) في القاموس : الكبش : الحمل إذا أثنى ، أو إذا خرجت رباعيته ، وفيه إشارة إلى أن الذكر أفضل من الأنثى ; فإن لحمه أطيب . ( أملحين ) : أفعل من الملحة ، وهي بياض يخالطه السواد ، وعليه أكثر أهل اللغة . وقيل : بياضه أكثر من سواده ، وقيل : هو النقي البياض ، ويؤيد الأول قول عائشة : هو الذي ينظر في سواد ، ويأكل في سواد ، ويمشي في سواد ، ويبرك في سواد . تعني : أن هذه المواضع من بدنه سود ، وباقيه أبيض . وروى أحمد ، والحاكم خبر أبي هريرة : لدم عفراء أحب إلى الله من دم سوداوين ، ومنازعة البخاري في رفعه لا تضر ; لأن أبا هريرة لا يقوله من قبل الرأي ، فله حكم الرفع ، وأما قول ابن حجر : فلو تعارض اللون وطيب اللحم ، فرعاية طيبه أفضل . فمردود لظاهر الحديث ; لأنه مبني على مجرد اللون مع قطع النظر عن كمية اللحم وكيفيته ، مع أن في الكثرة زيادة منفعة الفقراء ، فالأمر تعبدي ، والله أعلم . ( أقرنين ) أي : طويلي القرن أو عظيميهما ، وقيل : ذوي قرن . ( ذبحهما بيده ) : وهو المستحب لمن يعرف آداب الذبح ، ويقدر عليه ، وإلا فليحضر عند الذبح للخبر الحسن ، بل صححه الحاكم : أنه - عليه الصلاة والسلام - قال لفاطمة : قومي إلى أضحيتك فاشهديها ; فإنه بأول قطرة من دمها يغفر لك ما سلف من ذنوبك . وفي [ ص: 1078 ] رواية صحيحة : كل ذنب عملتيه . قال المظهر فيه : أن السنة أن يذبح كل واحد الأضحية بيده ; لأن الذبح عبادة ، والعبادة أصلها أن يباشر كل بنفسه ولو وكل غيره جاز اهـ .

ولعل وجه تعددهما ما يأتي : أنه ذبح واحدا عن نفسه وآله ، وواحدا عن أمته . ( وسمى النبي وكبر ) أي : قال : بسم الله ، والله أكبر ، والواو الأولى لمطلق الجمع ، فإن التسمية قبل الذبح ، ثم اعلم أن التسمية شرط عندنا ، والتكبير مستحب عند الكل ، وأما قول ابن حجر فيه : إنه ينبغي للذابح مطلقا أن يسمي ولم يجب ذلك عندنا ; لأنه - عليه الصلاة والسلام - كما في البخاري أباح المذبوح مع ذكرهم له أنهم شاكون في أن ذابحه سمى أو لا ، فمدفوع ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - حمل على حسن الظن بالمسلم أنه لا يذبح إلا مسميا ، وأن الشك لا يضره ، ومما يؤيد مذهبنا قوله تعالى : فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين و : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ، وأما قول ابن حجر : إجماع الأمة على أن آكل متروك التسمية غير فاسق . فمردود ; فإنه مخالف لما ذهب إليه أئمتنا . ثم قالابن حجر : ومن الحديث أخذ الشافعي قوله : ويختار في الأضحية أن يكبر قبل التسمية وبعدها ثلاثا اهـ . وهو غريب لمخالفته الحديث من وجهين : الأول تقديم التكبير على التسمية ، والثاني : التثليث آخرا . وأما قول ابن حجر بالقياس على تسبيح الركوع ، فبعده لا يخفى على من له أدنى اهتمام بمعرفة القياس صحة وفسادا ، ثم الجمهور على أنه تكره الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الذبح ، وخالفهم الشافعي ، وقال : إنه يسن .

( قال ) أي : أنس . ( رأيته ) : - صلى الله عليه وسلم - ( واضعا ) : حال . ( قدمه على صفاحهما ) : جمع صفح بالفتح وسكون الفاء ، وهو الجنب ، وقيل : جمع صفحة وهو عرض الوجه ، وقيل : نواحي عنقها . وفي النهاية : صفح كل شيء جهته وناحيته . ( ويقول : بسم الله ، والله أكبر ) : وفيه إشارة إلى أن إتيان الواو العاطفة أو الحالية أولى من تركها ، وصح خبر : الأضحية الكبش الأقرن ، وورد النهي عن التضحية بمكسور القرن ، وصححه الترمذي ، واعترض بأن في إسناده ضعيفا . متفق عليه .




الخدمات العلمية