الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4029 [ ص: 240 ] باب: الرد على أهل الكتاب

                                                                                                                              وذكره النووي في: (الباب المتقدم) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \النووي، ص148 ج14، المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي الزبير؛ أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سلم ناس من يهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالوا: السام عليك. يا أبا القاسم! فقال: "وعليكم" فقالت عائشة؛ وغضبت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال: "بلى. قد سمعت. فرددت عليهم. وإنا نجاب عليهم. ولا يجابون علينا" ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما؛ (قال: سلم ناس من يهود، على رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم، فقالوا: السام عليكم. يا أبا القاسم!) . والسام: "الموت".

                                                                                                                              (فقال: "وعليكم") . فيه: أن الرد على أهل الكتاب، أن يقال لهم: "وعليكم" فقط. أو: "عليكم" بدون لفظ: "السلام". وقد جاءت الأحاديث في مسلم: بإثبات الواو، وحذفها. وأكثر الروايات: بإثباتها. وعلى هذا: في معناه وجهان؛

                                                                                                                              [ ص: 241 ] أحدهما: أنه على ظاهره؛ فقالوا: عليكم الموت. فقال: "وعليكم أيضا". أي: نحن وأنتم، في الموت سواء. وكلنا نموت.

                                                                                                                              والثاني: أن الواو هنا للاستئناف؛ لا للعطف والتشريك. وتقديره: وعليكم ما تستحقونه من الذم. وأما من حذف الواو؛ فتقديره: بل عليكم السام.

                                                                                                                              قال عياض: اختار بعض العلماء، (منهم: ابن حبيب المالكي) : حذف الواو، لئلا يقتضي التشريك. وقال غيره بإثباتها. وهو في أكثر الروايات. وقال الخطابي: عامة المحدثين: يروون هذا الحرف بالواو. وكان ابن عيينة يرويه بغير واو. قال: وهذا هو الصواب. لأنه إذا حذف الواو؛ صار كلامهم بعينه: مردودا عليهم خاصة. وإذا ثبت الواو؛ اقتضى المشاركة معهم فيما قالوه. قال النووي: والصواب. أن إثبات الواو وحذفها جائزان. كما صحت به الروايات. وأن الواو أجود، كما في أكثر الروايات. ولا مفسدة فيه؛ لأن السام الموت. وهو علينا وعليهم. ولا ضرر في قوله بالواو.

                                                                                                                              قال: واختلف العلماء، في رد السلام على الكفار، وابتدائهم به؛ فمذهبنا: تحريم ابتدائهم به. ووجوب رده عليهم، بأن يقول: "وعليكم"، أو "عليكم" فقط. انتهى.

                                                                                                                              قال بعضهم: يقول: "عليكم السلام" بكسر السين: (أي: الحجارة) . وهذا ضعيف.

                                                                                                                              [ ص: 242 ] (فقالت عائشة؛ وغضبت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال: "بلى، قد سمعت. فرددت عليهم -وإنا نجاب عليهم، ولا يجابون علينا-") .

                                                                                                                              وفي حديث عائشة، عند مسلم: "استأذن رهط من اليهود، على رسول الله، صلى الله عليه" وآله "وسلم. فقالوا: السام عليكم. فقالت عائشة: بل عليكم السام، واللعنة. فقال رسول الله، صلى الله عليه" وآله "وسلم: يا عائشة! إن الله عز وجل يحب الرفق في الأمر كله. قالت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال: قد قلت: وعليكم" وفي أخرى: (قالت: بل عليكم السام، والذام. فقال: "يا عائشة! لا تكوني فاحشة" فقالت: ما سمعت ما قالوا؟ فقال: "أوليس قد رددت عليهم الذي قالوا؟ قلت: عليكم") .

                                                                                                                              وفي رواية بلفظ: (ففطنت عائشة، فسبتهم. فقال: "مه! يا عائشة! فإن الله لا يحب الفحش، والتفحش") الحديث. وهذا من عظيم خلقه، وكمال حلمه.

                                                                                                                              [ ص: 243 ] وفيه: حث على الرفق، والصبر، والحلم، وملاطفة الناس؛ ما لم تدع حاجة إلى المخاشنة.

                                                                                                                              "والذام" بتخفيف الميم. وهو: الذم. وأما سبها لهم، ففيه : الانتصار من الظالم لأهل الفضل، ممن يؤذيهم.

                                                                                                                              وفي الحديث: استحباب تغافل أهل الفضل: عن سفه المبطلين؛ إذا لم تترتب عليه مفسدة. قال الشافعي: الكيس العاقل، هو الفطن المتغافل.




                                                                                                                              الخدمات العلمية