الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة [ النص والظاهر ]

                                                      وينقسم باعتبار آخر إلى نص وظاهر : أما النص : فهو في اللغة : الظهور والارتفاع ، ومنه يقال : نصصت بمعنى أظهرت ، ومنه نصت الصبية جيدها إذا أظهرته ، وقولهم للمنارة منصة ، ومنها المنصة التي تجلس عليها العروس ، وفي الحديث { كان إذا وجد فرجة نص } أي دفع السير وأسرع . [ ص: 204 ] ويطلق باصطلاحات : أحدها : مجرد لفظ الكتاب والسنة ، فيقال : الدليل إما نص أو معقول وهو اصطلاح الجدليين . يقولون : هذه المسألة يتمسك فيها بالنص ، وهذه بالمعنى والقياس . الثاني : ما يذكر في باب القياس ، وهو مقابل الإيماء . الثالث : نص الشافعي فيقال : لألفاظه نصوص باصطلاح أصحابه قاطبة . الرابع : حكاية اللفظ على صورته كما يقال : هذا نص كلام فلان . الخامس : يقابل الظاهر وهو مقصودنا ، وقد اختلف فيه ، فقال إلكيا الطبري : نص الشافعي على أن النص كل خطاب علم ما أريد به من الحكم ، قال : وهذا يلائم وضع الاشتقاق ، لأنه إذا كان كذلك كان قد أظهر المراد به وكشف عنه ، ثم على هذا ينقسم النص إلى ما يحتمل وإلى ما لا يحتمل . وقال ابن برهان : لعل الشافعي إنما سمى الظاهر نصا ، لأنه لمح فيه المعنى اللغوي ، قال المازري : أشار الشافعي والقاضي أبو بكر إلى أن النص يسمى ظاهرا ، وليس ببعيد ، لأن النص في أصل اللغة الظهور ، وقال الإبياري ، يطلق النص على ما لا يتطرق إليه احتمال وسواء عضده بالدليل أم لا ، وهذا [ ص: 205 ] الذي ذكره الشافعي هو اختيار القاضي ، وقد يكون نصا بوضع اللغة ، وقد يكون بالقرينة ، وقيل : ما استوى ظاهره وباطنه ، وأشار بالباطن إلى المفهوم ، وإلا فليس للفظ ظاهر ولا باطن في الحقيقة ، وقال أبو الحسين في " المعتمد " : قال الشافعي في حد النص : إنه خطاب يعلم ما أريد به من الحكم سواء كان مستقلا بنفسه ، أو علم المراد به بغيره ، ولا يسمى المجمل نصا ، وبهذه حده الكرخي . وذكر عبد الجبار أن النص هو خطاب يمكن أن يعرف المراد به . وشروطه ثلاثة : أن يتكون لفظا ، وأن لا يتناول إلا ما هو نص فيه ، وإن كان نصا في عين واحدة وجب أن لا يتناول ما سواها ، وإن كان نصا في أشياء كثيرة وجب أن لا يتناول ما سواها . والثالث : أن تكون إفادته لما يفيده ظاهره غير محتمل . وقال الأستاذ أبو منصور : النص في عرف أهل اللغة : اللفظ الذي لا يمكن تخصيصه ، كقولك : أعط زيدا أو خذ من عمرو ، وافعل أنت ونحوه ، ومنه { قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بردة : ولن تجزي عن أحد بعدك } . وأصله الظهور . قال : وحكي عن بعض أصحابنا قال : لا لفظ في كلام العرب إلا وأصله التخصيص ، وذهب هذا القائل إلى أن الألفاظ كلها نصوص ، عموما كان أو ظاهرا ، وزعم أن الاحتمال في قوله عليه السلام لأبي بردة : " يجزئك " جواز قياس الدلالة على أن غيره في معناه . قال : وهذا لا ينفي الأول ، لأن الاحتمال في غير النص . ا هـ .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية