الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 519 ] 96 - سورة العلق .

                                                                                                                                                                                                                                      مكية وآياتها تسع عشرة

                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال : أول ما نزل من القرآن بمكة اقرأ باسم ربك الذي خلق .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير قال : أنزل بمكة اقرأ باسم ربك الذي خلق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة، وابن الضريس، وابن الأنباري في المصاحف والطبراني والحاكم وصححه، وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن أبي موسى الأشعري قال : كانت اقرأ باسم ربك أول سورة أنزلت على محمد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن شهاب : حدثني محمد بن عباد ابن جعفر المخزومي أنه سمع بعض علمائهم يقول : كان أول ما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم اقرأ باسم ربك إلى ما لم يعلم فقالوا : هذا صدرها الذي أنزل يوم حراء ثم أنزل آخرها بعد ذلك ما شاء الله .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 520 ] وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وصححه عن عائشة قالت : إن أول ما أنزل من القرآن اقرأ باسم ربك الذي خلق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق وأحمد، وعبد بن حميد والبخاري ومسلم، وابن جرير، وابن الأنباري في المصاحف، وابن مردويه والبيهقي من طريق ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال اقرأ فقال : قلت : ما أنا بقارئ، قال : فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : اقرأ فقلت : ما أنا بقارئ، قال : فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : اقرأ فقلت : ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم الآية فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد فقال : زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه [ ص: 521 ] الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر : لقد خشيت على نفسي فقالت خديجة : كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى - ابن عم خديجة - وكان امرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي فقالت خديجة : يا بن عم اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة : يا بن أخي ماذا ترى فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى فقال له ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى يا ليتني فيها جذعا يا ليتني أكون فيها حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أومخرجي هم، قال : نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي . [ ص: 522 ] قال ابن شهاب : وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه : بينا أنا أمشي إذ

                                                                                                                                                                                                                                      سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه فرجعت فقلت : زملوني زملوني، فأنزل الله تعالى : يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر فحمي الوحي وتتابع .


                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال : أول سورة أنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم اقرأ باسم ربك الذي خلق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد ، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد قال : أول ما نزل من القرآن اقرأ باسم ربك ثم ن والقلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر، وابن مردويه عن ابن عباس قال : أول شيء نزل من القرآن خمس آيات اقرأ باسم ربك الذي خلق إلى قوله : ما لم يعلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن عبيد بن عمير قال : أول ما نزل من القرآن اقرأ باسم ربك الذي خلق ثم ن .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 523 ] وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن عائشة قالت : كان أول ما نزل عليه بعد اقرأ باسم ربك ن والقلم و يا أيها المدثر والضحى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد عن الزهري وعمرو بن دينار أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بحراء إذ أتاه ملك بنمط من ديباج فيه مكتوب اقرأ باسم ربك الذي خلق إلى ما لم يعلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم من طريق عمرو بن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بحراء إذ أتاه ملك بنمط من ديباج فيه مكتوب اقرأ باسم ربك الذي خلق إلى ما لم يعلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير وأبو نعيم في الدلائل عن عبد الله بن شداد قال : أتى جبريل محمدا صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد اقرأ، فقال : وما أقرأ فضمه ثم قال يا محمد : اقرأ قال : وما أقرأ قال : اقرأ باسم ربك الذي خلق حتى بلغ ما لم يعلم فجاء إلى خديجة فقال : يا [ ص: 524 ] خديجة ما أراه إلا قد عرض لي، قالت : كلا والله ما كان ربك يفعل ذلك بك وما أتيت فاحشة قط، فأتت خديجة ورقة فأخبرته الخبر، قال : لئن كنت صادقة إن زوجك لنبي وليلقين من أمته شدة ولئن أدركته لأومنن به، قال : ثم أبطأ عليه جبريل فقالت له خديجة : ما أرى ربك إلا قد قلاك، فأنزل الله والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف هو وخديجة شهرا فوافق ذلك رمضان فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع السلام عليكم، قالت : فظننت أنه فجأة الجن، فقال : أبشروا فإن السلام خير ثم رأى يوما آخر جبريل على الشمس له جناح بالمشرق وجناح بالمغرب، قال : فهبت منه فانطلق يريد أهله فإذا هو بجبريل بينه وبين الباب، قال : فكلمني حتى أنست به ثم وعدني موعدا فجئت لموعده واحتبس علي جبريل فلما أراد أن يرجع إذا هو به وبميكائيل فهبط جبريل إلى الأرض وبقي ميكائيل بين السماء والأرض قال : فأخذني جبريل فصلقني لحلاوة القفا وشق [ ص: 525 ] عن بطني فأخرج منه ما شاء الله ثم غسله في طست من ذهب ثم أعاده فيه ثم كفأني كما يكفأ الإناء ثم ختم في ظهري حتى وجدت مس الخاتم ثم قال لي : اقرأ باسم ربك الذي خلق ولم أقرأ كتابا قط فأخذ بحلقي حتى أجهشت بالبكاء ثم قال : اقرأ باسم ربك الذي خلق إلى قوله : ما لم يعلم قال : فما نسيت شيئا بعد، ثم وزنني برجل فوزنته ثم وزنني بآخر فوزنته ثم وزنني بمائة، فقال ميكائيل : تتبعه أمته ورب الكعبة، قال : ثم جئت إلى منزلي فما تلقاني حجر ولا شجر إلا قال : السلام عليك يا رسول الله حتى دخلت على خديجة فقالت : السلام عليك يا رسول الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب وقد ضرب أخته أول الليل وهي تقرأ اقرأ باسم ربك الذي خلق حتى ظن أنه قتلها ثم قام من السحر فسمع صوتها تقرأ اقرأ باسم ربك الذي خلق فقال : والله ما هذا بشعر ولا همهمة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 526 ] فذهب حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد بلالا على الباب فدفع الباب، فقال بلال : من هذا فقال عمر بن الخطاب : فقال : حتى أستأذن لك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بلال : يا رسول الله عمر بالباب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن يرد الله بعمر خيرا أدخله في الدين، فقال لبلال : افتح وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بضبعيه فهزه فقال : ما الذي تريد وما الذي جئت له فقال عمر : أعرض علي الذي تدعو إليه، قال : تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله فأسلم عمر مكانه وقال : اخرج .


                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : الذي علم بالقلم الآية . أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : الذي علم بالقلم

                                                                                                                                                                                                                                      قال : القلم نعمة من الله عظيمة لولا القلم لم يقم دين ولم يصلح عيش وفي قوله : علم الإنسان ما لم يعلم قال : الخط .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية