الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) [ ص: 34 ]

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين )

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أنه تعالى لما شرح أحوال المنكرين والجاحدين في الآية المتقدمة ، ذكر في هذه الآية أحوال المؤمنين المحقين ، واعلم أنه تعالى ذكر صفاتهم أولا ، ثم ذكر ما لهم من الأحوال السنية والدرجات الرفيعة ثانيا . أما أحوالهم وصفاتهم فهي قوله : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) وفي تفسيره وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الوجه الأول : أن النفس الإنسانية لها قوتان :

                                                                                                                                                                                                                                            القوة النظرية ، وكمالها في معرفة الأشياء ، ورئيس المعارف وسلطانها معرفة الله .

                                                                                                                                                                                                                                            والقوة العملية ، وكمالها في فعل الخيرات والطاعات ، ورئيس الأعمال الصالحة وسلطانها خدمة الله . فقوله : ( إن الذين آمنوا ) إشارة إلى كمال القوة النظرية بمعرفة الله تعالى وقوله : ( وعملوا الصالحات ) إشارة إلى كمال القوة العملية بخدمة الله تعالى ، ولما كانت القوة النظرية مقدمة على القوة العملية بالشرف والرتبة ، لا جرم وجب تقديمها في الذكر .

                                                                                                                                                                                                                                            الوجه الثاني في تفسير هذه الآية : قال القفال : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) أي : صدقوا بقلوبهم ، ثم حققوا التصديق بالعمل الصالح الذي جاءت به الأنبياء والكتب من عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                            الوجه الثالث : ( الذين آمنوا ) أي شغلوا قلوبهم وأرواحهم بتحصيل المعرفة ( وعملوا الصالحات ) أي شغلوا جوارحهم بالخدمة ، فعينهم مشغولة بالاعتبار كما قال : ( فاعتبروا ياأولي الأبصار ) [ الحشر : 2 ] وأذنهم مشغولة بسماع كلام الله تعالى كما قال : ( وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ) [ المائدة : 83 ] ولسانهم مشغول بذكر الله كما قال تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا اذكروا الله ) [ الأحزاب : 41 ] وجوارحهم مشغولة بنور طاعة الله كما قال : ( ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ) [ النمل : 25 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية