الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1429 1394 - مالك ، عن أبي الزناد ; أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، وهو عامل على الكوفة : أن اقض باليمين مع الشاهد .

                                                                                                                        [ ص: 56 ] 1395 - مالك ، أنه بلغه ; أن أبا سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار سئلا : هل يقضى باليمين مع الشاهد ؟ فقالا : نعم .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        31798 - وأما قول مالك في هذا الباب : ومن الناس من يقول ; لا يكون اليمين مع الشاهد ، ويحتج بقول الله تعالى : فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان [ البقرة : 282 ] فلا يحلف أحد مع شاهده .

                                                                                                                        31799 - قال مالك ; فمن الحجة على من قال ذلك أن يقال له : أرأيت لو أن رجلا ادعى على رجل مالا أليس يحلف المطلوب ما ذلك الحق عليه ، فإن حلف بطل ذلك عنه ، وإن نكل عن اليمين حلف صاحب الحق إن حقه لحق وثبت حقه على صاحبه ؟

                                                                                                                        31800 - فهذا ما لا اختلاف فيه عند أحد من الناس ، ولا ببلد من البلدان . . إلى آخر الباب .

                                                                                                                        31801 - قال أبو عمر : ليس في قول الله عز وجل : فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ما يقضي على ألا يحكم إلا بهذا ، بل المعنى فيه أن يحكم بهذا ، وبكل ما يجب الحكم به من الكتاب والسنة .

                                                                                                                        31802 - وقد سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القضاء باليمين مع الشاهد ، فكان زيادة بيان على ما وصفنا .

                                                                                                                        [ ص: 57 ] 31803 - وأما قوله : وهذا ما لا خلاف فيه عند أحد من الناس ، ولا ببلد من البلدان فقد ظهر من علم مالك باختلاف من قضى قبله ما يوجب أن لا يظن أحد به أنه جهل مذهب الكوفيين في الحكم بالنكول دون رد يمين ، وإنما أراد - والله أعلم - أن من قال إذا نكل المدعى عليه عن اليمين حكم عليه بالحق للمدعي ، وكان أحرى أن يحكم عليه بالنكول ، ويمين الطالب ، لأنها زيادة على مذهبه ، كما لو قال قائل : إن العلماء قد أجمعوا على أن مدين تجزئ في كفارة اليمين كان قولا صحيحا ; لأن من قال يجزئ المد كان أحرى ، أن يجزئ عنه المدان .

                                                                                                                        31804 - هذا ما أراد ، والله أعلم .

                                                                                                                        31805 - أما اختلافهم في الحكم بالنكول :

                                                                                                                        31806 - فقال مالك ، وأصحابه : إذا نكل المدعى عليه عن اليمين حلف المدعي ، وإن لم يدع المطلوب إلى يمين ، ولا يقضى له بشيء حتى يحلف .

                                                                                                                        31807 - وهو قول الشافعي ; لأنه لا يقضي على الناكل عن اليمين بحق الطالب إلا أن يحلف الطالب .

                                                                                                                        31808 - وقال الشافعي : ولو رد المدعى عليه اليمين على الطالب ، فقلت له : احلف ، ثم بدا للمدعى عليه ، فقال : أنا أحلف - لم أجعل ذلك له ; لأني قد أبطلت أن يحلف ، وجعلت اليمين قبله .

                                                                                                                        31809 - قال أبو عمر : من رأى رد اليمين في الأموال حديث القسامة ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رد فيها اليمين على اليهود إذ أبى الأنصار منها ، وليس بالأموال أعظم [ ص: 58 ] حرمة من الدماء .

                                                                                                                        31810 - وهو قول الحجازيين ، وطائفة من العراقيين ، وهو الاحتياط ; لأن من لا يوجب رد اليمين لا يبطل الحكم بها مع النكول .

                                                                                                                        31811 - وقال ابن أبي ليلى : إذا نكل المدعى عليه أنا أرد اليمين عليه ، رددتها عليه إذا كان يتهم ، فإن لم يتهم لم أردها عليه .

                                                                                                                        31812 - وروي عنه أنه يردها بغير تهمة .

                                                                                                                        31813 - وأما أبو حنيفة ، وأصحابه ، فقالوا : إذا نكل المطلوب عن اليمين حكم عليه بالحق للمدعي ، ولا ترد اليمين على المدعى .

                                                                                                                        31814 - ومن حجة من ذهب إلى هذا أن عبد الله بن عمر إذ نكل عن اليمين في عيب الغلام للذي باعه قضى عليه عثمان بالنكول ، وقضى هو على نفسه بذلك .

                                                                                                                        31815 - وهذا لا حجة فيه ، لأن ابن عمر يحتمل فعله أنه لما أوجب عليه عثمان اليمين لقد باع الغلام ، وما به أذى يعلمه كره اليمين فاسترجع العبد ، فكأنه أقاله فيه كراهية لليمين ، وليس في الحديث تصريح بالحكم بالنكول .

                                                                                                                        [ ص: 59 ] 31816 - واحتج من ذهب مذهب الكوفيين في ذلك بحديث ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس أنه جاوبه في المرأتين ادعت إحداهما على الأخرى أنها أصابت يدها بإشفى ، وأنكرت فكتب إليه ابن عباس ادعها واقرأ عليها : إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا الآية [ آل عمران : 77 ] فإن حلفت فخل عنها ، وإن لم تحلف فضمنها .

                                                                                                                        31817 - قال أبو عمر : الاستدلال من الحديث المسند أولى ، وبالله التوفيق لا شريك له .

                                                                                                                        [ ص: 60 ] 31818 - ومن حجتهم أيضا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل البينة على المدعي ، واليمين على المدعى عليه ، لا سبيل إلى نقل البينة إلى المدعى عليه ، ولا إلى نقل اليمين إلى المدعي .

                                                                                                                        31819 - قال أبو عمر : هذا لا يلزم ؟ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي سن رد اليمين إلى المدعي في القسامة .

                                                                                                                        31820 - واستعمال النصوص أولى من تأويل لم يتابع صاحبه عليه ، وهذا قياس صحيح ، وهو أصلهم جميعا في القول بالقياس .




                                                                                                                        الخدمات العلمية