الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 274 ] باب صفة الصلاة ( فرائض الصلاة ستة : التحريمة ) لقوله تعالى { وربك فكبر } والمراد تكبيرة الافتتاح ، [ ص: 275 ] ( والقيام ) لقوله تعالى { وقوموا لله قانتين } .

( والقراءة ) لقوله تعالى { فاقرءوا ما تيسر من القرآن } ( والركوع والسجود ) لقوله تعالى { اركعوا واسجدوا } ( والقعدة في آخر الصلاة مقدار التشهد ) { لقوله عليه الصلاة والسلام لابن مسعود رضي الله عنه حين علمه التشهد إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك } [ ص: 276 ] علق التمام بالفعل قرأ أو لم يقرأ .

[ ص: 274 ]

التالي السابق


[ ص: 274 ] باب صفة الصلاة )

شرع في المقصود بعد الفراغ من مقدماته قبل الصفة .

والوصف في اللغة واحد ، وفي عرف المتكلمين بخلافه ، والتحرير أن الوصف لغة ذكر ما في الموصوف من الصفة ، والصفة هي ما فيه ، ولا ينكر أنه يطلق الوصف ويراد الصفة ، وبهذا لا يلزم الاتحاد لغة إذ لا شك في أن الوصف مصدر وصفه إذا ذكر ما فيه ، ثم المراد هنا بصفة الصلاة الأوصاف النفسية لها وهي الأجزاء العقلية الصادقة على الخارجية التي هي أجزاء الهوية من القيام الجزئي والركوع والسجود .

( قوله فرائض الصلاة ستة ) لا يخلو عن شيء لأنه إن اعتبر آحاد الفرائض فريضة لم تجز التاء في عدده ، وإن اعتبر فرضا لم يكن ذلك جمعه لأن فعائل إنما تطرد في كل رباعي ثالثه مدة ، مؤنث بالتاء ، كسحابة وصحيفة وحلوبة ، أو بالمعنى كشمال وعجوز وسعيد علم امرأة .

وأما جعله فريضة على تأويله بالفرض أدخلت التاء كما في قول الشاعر

ولا أرض أبقل إبقالها

بتأويل المكان فهو تصرف ليس لنا أن نفعله ، بل إنما لنا أن نؤول الوارد عنهم مخالفا لجادتهم ولذا لم يورد أهل الشأن هذا البيت إلا مثالا للشذوذ ، وغير أنهم عللوا الواقع بما ذكروا لا أنه أعطاه ضابط صحة استعمال مثله لمن شاء قوله { وربك فكبر } وكذا { وقوموا لله } واقرءوا { واركعوا واسجدوا } أوامر ومقتضاها الافتراض ، ولم تفرض خارج الصلاة فوجب أن يراد بها الافتراض الواقع في الصلاة إعمالا للنصوص في حقيقتها حيث أمكن ، والحديث المذكور { مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها [ ص: 275 ] التسليم } رواه أبو داود وحسنه النووي في أحكامه ، والإسناد فيه مجازي لأن التحريم ليس نفس التكبير ، بل به يثبت ، أو يجعل مجازا لغويا باستعمال لفظ التحريم فيما به أي ما يثبت به تحريم الصلاة التكبير ، ومثله في تحليلها التسليم .

والمستفاد من هذه وجوب المذكورات في الصلاة ، وهو لا ينفي إجمال الصلاة ، إذ الحاصل حينئذ أن الصلاة فعل يشتمل على هذه ، بقي كيفية ترتيبها في الأداء وهل الصلاة هذه فقط أو مع أمور أخر ، وقع البيان في ذلك كله بفعله صلى الله عليه وسلم وقوله ، وهو لم يفعلها قط بدون القعدة الأخيرة ، والمواظبة من غير ترك مرة دليل الوجوب ، فإذا وقعت بيانا للفرض : أعني الصلاة المجمل كان متعلقها فرضا بالضرورة ، ولو لم يقم الدليل في غيرها من الأفعال على سنيته لكان فرضا ، ولو لم يلزم تقييد مطلق الكتاب بخبر الفاتحة والطمأنينة وهو نسخ للقاطع بالظني لكانا فرضين ، ولولا أنه عليه الصلاة والسلام لم يعد إلى القعدة الأولى لما تركها ساهيا

ثم علم لكانت فرضا ، فقد علمت أن بعض الصلاة عرف بتلك النصوص ولا إجمال فيها ، وأنه لا ينفي الإجمال في الصلاة من وجه آخر فما تعلق بالأفعال نفسها لا يكون بيانا ، فإن كان ناسخا للإطلاق وهو قطعي نسخ للعلم بأنه صلى الله عليه وسلم قاله وهو أدرى بالمراد ، وإن لم يكن قطعيا لم يصلح لذلك وإلا لزم تقديم الظني عند معارضته القطعي عليه وهو لا يجوز في قضية العقل ، وعما ذكرنا كان تقديم القيام على الركوع والركوع على السجود فرضا لأنه بينها كذلك [ ص: 276 ] وسيرد عليك تفاصيل هذا الأصل ( قوله علق التمام بالفعل إلخ ) بيان للمراد لا أنه معنى اللفظ : يعني لما قام الدليل على أن لا بد من القعدة كان المراد إذا قلت هذا وأنت قاعد أو فعلت هذا قائلا أو غير قائل تمت ، فلو تم هذا سندا ومتنا كان الاستدلال به على فرضية القعدة عينا متوقفا على ثبوت فرضيتها بما يستقل بذلك بحيث لا يكون حديث ابن مسعود جزء المثبت فلم يتعلق به إثبات أصلا كما أشرنا إليه من إثباته ببيان المجمل فكيف ولم يتم ، فإن الذي في أبي داود { إذا قلت هذا وقضيت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد } وهو تعليق بهما فإذا اتصل الخبر بالمبين كانا فرضين ، نعم هو بلفظ " أو فعلت هذا " في رواية للدارقطني ، فلو لم يتبين أنها مدرجة من كلام ابن مسعود لوجب حمل أو على معنى الواو ليوافق المرفوع ، وهو أكثر من العكس فيما أظن فكيف وقد بين الإدراج شبابة بن سوار في روايته عن زهير بن معاوية ، وفصل كلام ابن مسعود من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، ورواه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن الحسن بن الحر مفصلا مبينا . قال النووي : اتفق الحفاظ على أنها مدرجة . والحق أن غاية الإدراج هنا أن تصير موقوفة والموقوف في مثله له حكم الرفع .

ثم اختلف مشايخنا في قدر الفرض من القعدة ، قيل قدر ما يأتي بالشهادتين .

والأصح أنه قدر قراءة التشهد إلى " عبده ورسوله " للعلم بأن شرعيتها لقراءته ، وأقل ما ينصرف إليه اسم التشهد عند الإطلاق ذلك .

وعلى هذا ينشأ إشكال وهو أن كون ما شرع لغيره بمعنى أن المقصود من شرعيته غيره يكون آكد من ذلك الغير مما لم يعهد بل وخلاف المعقول ، فإذا كان شرعية القعدة للذكر أو السلام كانت دونهما فالأولى أن يعين سبب شرعيتها الخروج ، هذا ، وقد عد من الفرائض إتمامها والانتقال من ركن إلى ركن قيل لأن النص الموجب للصلاة يوجب ذلك إذ لا وجود للصلاة بدون إتمامها وذلك يستدعي الأمرين .

واعلم أن القعدة فرض غير ركن لعدم توقف الماهية [ ص: 277 ] عليها شرعا لأن من حلف لا يصلي يحنث بالرفع من السجود دون توقف على القعدة فيعلم أنها شرعت للخروج ، وهذا لأن الصلاة أفعال وضعت للتعظيم وليس القعود كذلك بخلاف ما سواه .

ثم الركن ينقسم إلى أصلي وزائد وهو ما يسقط في بعض الصور من غير تحقق ضرورة وهو القراءة تسقط حالة الاقتداء وعن المدرك في الركوع مثلا بخلاف غيرها لا يسقط إلا لضرورة




الخدمات العلمية