بيان
nindex.php?page=treesubj&link=19979حقيقة الخوف
اعلم أن الخوف عبارة عن تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في الاستقبال ، والعلم بأسباب المكروه ، وهو السبب الباعث المثير لإحراق القلب وتألمه ، وذلك الإحراق هو الخوف . فالخوف من الله - تعالى - تارة يكون لمعرفة الله - تعالى - ومعرفة صفاته وأنه لو أهلك العالمين لم يبال ولم يمنعه مانع ، وتارة يكون لكثرة الجناية من العبد بمقارفة المعاصي ، وتارة يكون بهما جميعا . وبحسب معرفته بعيوب نفسه ، ومعرفته بجلال الله - تعالى - واستغنائه ، وأنه لا يسأل عما
[ ص: 291 ] يفعل وهم يسألون تكون قوة خوفه .
فأخوف الناس لربه أعرفهم بنفسه وبربه ، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - :
"أنا أخوفكم لله " وكذلك قال الله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28إنما يخشى الله من عباده العلماء ) [ فاطر : 28 ] ثم إذا كملت المعرفة أورثت جلال الخوف واحتراق القلب ، ثم يفيض أثر الحرقة من القلب على البدن وعلى الجوارح وعلى الصفات : أما في البدن فبالنحول والبكاء ، وأما في الجوارح فبكفها عن المعاصي وتقييدها بالطاعات تلافيا لما فرط واستعدادا للمستقبل ، وأما في الصفات فبأن يقمع الشهوات ويكدر اللذات فتصير المعاصي المحبوبة عنده مكروهة كما يصير العسل مكروها عند من يشتهيه إذا عرف أن فيه سما ، فتحترق الشهوات بالخوف ، وتتأدب الجوارح ، ويحصل في القلب الذبول والخشوع والاستكانة ، ويفارقه الكبر والحقد والحسد ، ولا يكون له شغل إلا المراقبة والمحاسبة والمجاهدة والضنة بالأنفاس واللحظات ، ومؤاخذة النفس بالخطرات والخطوات والكلمات .
وما ورد في
nindex.php?page=treesubj&link=19988فضيلة الخوف خارج عن الحصر ، وناهيك دلالة على فضيلته جمع الله - تعالى - للخائفين الهدى والرحمة والعلم والرضوان وهي مجامع مقامات أهل الجنان ، قال الله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=154هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون ) [ الأعراف : 154 ] وقال - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=8رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه ) [ البينة : 8 ] وكل ما دل على فضيلة العلم دل على فضيلة الخوف ؛ لأن الخوف ثمرة العلم .
بَيَانُ
nindex.php?page=treesubj&link=19979حَقِيقَةِ الْخَوْفِ
اعْلَمْ أَنَّ الْخَوْفَ عِبَارَةٌ عَنْ تَأَلُّمِ الْقَلْبِ وَاحْتِرَاقِهِ بِسَبَبِ تَوَقُّعِ مَكْرُوهٍ فِي الِاسْتِقْبَالِ ، وَالْعِلْمِ بِأَسْبَابِ الْمَكْرُوهِ ، وَهُوَ السَّبَبُ الْبَاعِثُ الْمُثِيرُ لِإِحْرَاقِ الْقَلْبِ وَتَأَلُّمِهِ ، وَذَلِكَ الْإِحْرَاقُ هُوَ الْخَوْفُ . فَالْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - تَارَةً يَكُونُ لِمَعْرِفَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَمَعْرِفَةِ صِفَاتِهِ وَأَنَّهُ لَوْ أَهْلَكَ الْعَالَمِينَ لَمْ يُبَالِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مَانِعٌ ، وَتَارَةً يَكُونُ لِكَثْرَةِ الْجِنَايَةِ مِنَ الْعَبْدِ بِمُقَارَفَةِ الْمَعَاصِي ، وَتَارَةً يَكُونُ بِهِمَا جَمِيعًا . وَبِحَسَبِ مَعْرِفَتِهِ بِعُيُوبِ نَفْسِهِ ، وَمَعْرِفَتِهِ بِجَلَالِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَاسْتِغْنَائِهِ ، وَأَنَّهُ لَا يُسْأَلُ عَمَّا
[ ص: 291 ] يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ تَكُونُ قُوَّةُ خَوْفِهِ .
فَأَخْوَفُ النَّاسِ لِرَبِّهِ أَعْرَفُهُمْ بِنَفْسِهِ وَبِرَبِّهِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
"أَنَا أَخْوَفُكُمُ لِلَّهِ " وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) [ فَاطِرٍ : 28 ] ثُمَّ إِذَا كَمُلَتِ الْمَعْرِفَةُ أَوْرَثَتْ جَلَالَ الْخَوْفِ وَاحْتِرَاقَ الْقَلْبِ ، ثُمَّ يَفِيضُ أَثَرُ الْحُرْقَةِ مِنَ الْقَلْبِ عَلَى الْبَدَنِ وَعَلَى الْجَوَارِحِ وَعَلَى الصِّفَاتِ : أَمَّا فِي الْبَدَنِ فَبِالنُّحُولِ وَالْبُكَاءِ ، وَأَمَّا فِي الْجَوَارِحِ فَبِكَفِّهَا عَنِ الْمَعَاصِي وَتَقْيِيدِهَا بِالطَّاعَاتِ تَلَافِيًا لِمَا فَرَطَ وَاسْتِعْدَادًا لِلْمُسْتَقْبَلِ ، وَأَمَّا فِي الصِّفَاتِ فَبِأَنْ يَقْمَعَ الشَّهَوَاتِ وَيُكَدِّرَ اللَّذَّاتِ فَتَصِيرَ الْمَعَاصِي الْمَحْبُوبَةُ عِنْدَهُ مَكْرُوهَةً كَمَا يَصِيرُ الْعَسَلُ مَكْرُوهًا عِنْدَ مَنْ يَشْتَهِيهِ إِذَا عَرَفَ أَنَّ فِيهِ سُمًّا ، فَتَحْتَرِقُ الشَّهَوَاتُ بِالْخَوْفِ ، وَتَتَأَدَّبُ الْجَوَارِحُ ، وَيَحْصُلُ فِي الْقَلْبِ الذُّبُولُ وَالْخُشُوعُ وَالِاسْتِكَانَةُ ، وَيُفَارِقُهُ الْكِبْرُ وَالْحِقْدُ وَالْحَسَدُ ، وَلَا يَكُونُ لَهُ شُغْلٌ إِلَّا الْمُرَاقَبَةُ وَالْمُحَاسَبَةُ وَالْمُجَاهَدَةُ وَالضِّنَّةُ بِالْأَنْفَاسِ وَاللَّحَظَاتِ ، وَمُؤَاخَذَةُ النَّفْسِ بِالْخَطَرَاتِ وَالْخُطُوَاتِ وَالْكَلِمَاتِ .
وَمَا وَرَدَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=19988فَضِيلَةِ الْخَوْفِ خَارِجٌ عَنِ الْحَصْرِ ، وَنَاهِيكَ دَلَالَةً عَلَى فَضِيلَتِهِ جَمْعُ اللَّهِ - تَعَالَى - لِلْخَائِفِينَ الْهُدَى وَالرَّحْمَةَ وَالْعِلْمَ وَالرِّضْوَانَ وَهِيَ مَجَامِعُ مَقَامَاتِ أَهْلِ الْجِنَانِ ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=154هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ) [ الْأَعْرَافِ : 154 ] وَقَالَ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=8رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) [ الْبَيِّنَةِ : 8 ] وَكُلُّ مَا دَلَّ عَلَى فَضِيلَةِ الْعِلْمِ دَلَّ عَلَى فَضِيلَةِ الْخَوْفِ ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ ثَمَرَةُ الْعِلْمِ .