الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 548 ] الباب العاشر في ليلة القدر

                                                                                                                اختلف في معنى هذا القدر ، فقيل : الشرف فهي شريفة ، وقيل : من التقدير ; لأنها تقدر فيها الأرزاق والكائنات على أحد القولين في قوله تعالى : ( فيها يفرق كل أمر حكيم ) . قيل : ليلة النصف من شعبان ، وقيل : ليلة القدر ، ومعنى ذلك عند الملائكة الموكلة بها ، وإلا فكل شيء قد قدر في الأزل ، ومعنى قوله تعالى : ( خير من ألف شهر ) ; أن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ، فتكون الركعة فيها خيرا من ثلاثين ألف ركعة ، وكذلك سائر أنواع البر وشهود مغربها وعشائها . وخصت به هذه الأمة ، لقصر أعمارها ليحصل فيها لهم ما يحصل في الأعمار الطويلة لطفا بها .

                                                                                                                قاعدة :

                                                                                                                الأصل في كثرة الثواب والعقاب وقلتهما ، كثرة المصالح أو المفاسد أو قلتها ، وقد يفضل الله تعالى أحد المستويين من كل الوجوه على الآخر ، كالأنبياء - عليهم [ ص: 549 ] السلام - خصوا بالنبوة والدرجات العليا بمجرد تفضيله تعالى ، وإلا فهم قبل ذلك كسائر البشر ( إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ) . جرده من كل شيء وحصره في العبودية المحضة بقوله : ( إن هو إلا عبد ) ، ثم أفاض عليه نعمه بقوله : ( أنعمنا عليه ) . وكمكة والمدينة مع سائر البقاع ، وكذلك الأزمنة مستوية ، وخص الله تعالى ما شاء بما شاء لا لأمر رجح فيها بل بمجرد الفضل . نسأل الله تعالى من عظيم فضله الذي لا يعطيه غيره ولا يملكه سواه .

                                                                                                                واختلف الناس في زمانها على خمسة عشر قولا : قال صاحب القبس : الأول لابن مسعود السنة كلها .

                                                                                                                وقيل : رمضان كله ; لقوله تعالى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) .

                                                                                                                الثالث لابن الزبير : ليلة سبع عشرة منه ، وهو مروي عنه - صلى الله عليه وسلم - ; لقوله تعالى : ( وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان ) - وكان ذلك فيها .

                                                                                                                الرابع لأبي سعيد : إحدى وعشرون ; لرؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين ، وكان فيها .

                                                                                                                الخامس لعبد الله بن أويس : ثلاثة وعشرون ، وهو مروي عنه - عليه السلام - .

                                                                                                                السادس : خمس وعشرون .

                                                                                                                السابع لأبي : سبع وعشرون ، وقال أخبرنا - صلى الله عليه وسلم - أن الشمس تطلع في [ ص: 550 ] صبيحتها بيضاء لا شعاع لها ، كأن أنوار الخلق في تلك الليلة تغلبها ، وكان ابن عباس يحلف على أنها في هذه الليلة ، وكان يقول : السورة ثلاثون كلمة ، فإذا وصلت إلى قوله تعالى : ( هي ) فهي سبعة وعشرون منها . وكان يقول : خلق الإنسان من سبع ; لقوله تعالى : ( من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ) . ويأكل في سبع ; لقوله تعالى : ( فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا ) . فالأب للأنعام ، والسبع للإنسان ، ويسجد على سبع ، والأرضون سبع ، والسماوات سبع ، والطواف سبع ، والجمار سبع .

                                                                                                                الثامن : : تسع وعشرون .

                                                                                                                التاسع للأنصار : أنها في أشفاع هذه الأفراد ، وأصله عندهم قوله - صلى الله عليه وسلم - : " اطلبوها في تاسعة تبقى " قالوا : هي ليلة اثنتين وعشرين ، ونحن أعلم بالعدد منكم .

                                                                                                                قال سند : ومذهب مالك في الكتاب و ( ش ) : أنها في جملة العشر ; لما في أبي داود قال - صلى الله عليه وسلم - : " التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة " . قال مالك في الكتاب معناه : ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين وخمس وعشرين ، وهذا محمول على نقصان الشهر ، وأما مع تمامه فليلة اثنتين وعشرين وأربع وعشرين وست وعشرين .

                                                                                                                قال صاحب المقدمات : وقيل : لتسع مضت وسبع مضت وخمس مضت [ ص: 551 ] عدت القول .

                                                                                                                الثاني عشر الثالث عشر ليلة النصف ، قال سند : ليلة النصف من شعبان . ويبطله قوله تعالى : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) ، وقوله تعالى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) .

                                                                                                                الرابع عشر : قال صاحب المقدمات : هي في العشر الوسط من رمضان .

                                                                                                                الخامس عشر : قال سند : قيل ارتفعت بعده - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية