الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما خاف فرعون اتباع الناس لهم ، لما يرون مما هالهم من أمرهم ، وكان قد تقدم ما يعرف أن المنكر عليهم فرعون نفسه ، قال تعالى مخبرا عنه : قال من غير ذكر الفاعل -أي : فرعون - لعدم اللبس ، [ومقصود السورة غير مقتض للتصريح كما في الأعراف بل ملائم للإعراض عنه والإراحة منه] ، منكرا مبادرا موهما لأنه إنما يعاقب على المبادرة بغير إذن ، لا على نفس الفعل ، وأنه ما غرضه إلا التثبت ليؤخر بهذا التخييل الناس عن المبادرة بالإيمان إلى وقت ما آمنتم له أي : لموسى عليه السلام ، أفرده بالضمير لأنه الأصل في هذه الرسالة ، وحقيقة الكلام : أوقعتم التصديق بما أخبر به عن الله لأجله إعظاما له بذلك قبل أن آذن لكم أي : في الإيمان; ثم علل فعلهم بما يقتضي أنه عن مكر وخداع ، لا [عن] حسن اتباع ، فقال : إنه أي : [ ص: 35 ] موسى عليه السلام لكبيركم

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هذا مشعرا بنسبته له إلى السحر ، وأنه أعلم منهم به ، فلذلك غلبهم ، أوضحه بقوله : الذي علمكم السحر فتواعدتم معه على هذا الفعل ، لتنزعوا الملك من أربابه ، هذا وكل من سمعه يعلم كذبه قطعا ، فإن موسى عليه السلام ما ربي إلا في بيته ، واستمر حتى فر منهم إلى مدين ، لا يعلم سحرا ، ولا ألم بساحر ، ولا سافر إلا إلى مدين ، ثم لم يرجع إلا داعيا إلى الله ، ولكن الكذب غالب على قطر مصر ، وأهلها أسرع شيء سماعا له وانقيادا به.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما أوقف السامعين بما خيلهم به من هذا الباطل المعلوم البطلان لكل ذي بصيرة ، أكد المنع بالتهديد فقال : فلسوف تعلمون أي : ما أفعل بكم ، أي : فتسبب عما فعلتم أني أعاقبكم عقوبة محققة عظيمة ، وأتى بأداة التنفيس خشية من أن لا يقدر عليهم فيعلم الجميع عجزه فيؤمنوا ، مع ما فيها في الحقيقة على السحرة من التأكيد في الوعيد الذي لم يؤثر عندهم في جنب ما أشهدهم الله من الآية التي مكنتهم في مقام الخضوع; ثم فسر ما أبهم بقوله : لأقطعن بصيغة التفعيل لكثرة القطع والمقطوعين أيديكم وأرجلكم [ثم] بين كيفية تقطيعها فقال : من خلاف وزاد في التهويل فقال : ولأصلبنكم أجمعين

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية