الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه لما كان المبدأ به من أسباب ثواب المؤمنين هو تلاوتهم كتاب الله أعقب التنويه بهم بالتنويه بالقرآن للتذكير بذلك ، ولأن في التذكير بجلال القرآن وشرفه إيماء إلى علة استحقاق الذين يتلونه ما استحقوا . وابتدئ التنويه به بأنه وحي من الله إلى رسوله ، وناهيك بهذه الصلة تنويها بالكتاب ، وهو يتضمن تنويها بشأن الذي أنزل عليه من قوله والذي أوحينا إليك ، ففي هذه مسرة للنبيء - صلى الله عليه وسلم - وبشارة له بأنه أفضل الرسل وأن كتابه أفضل الكتب .

[ ص: 309 ] وهذه نكتة تعريف المسند إليه باسم الموصول لما في الصلة من الإيماء إلى وجه كونه الحق الكامل ، دون الإضمار الذي هو مقتضى الظاهر بأن يقال : وهو الكتاب الحق .

فالتعريف في الكتاب تعريف العهد .

و " من " بيانية لما في الموصول من الإبهام ، والتقدير : والكتاب الذي أوحينا إليك هو الحق . فقدم الموصول الذي حقه أن يقع صفة للكتاب تقديما للتشويق بالإبهام ليقع بعده التفصيل فيتمكن من الذهن فضل تمكن .

فجملة والذي أوحينا إليك من الكتاب معطوفة على جملة إن الذين يتلون كتاب الله فهي مثلها في حكم الاستئناف . وضمير " هو " ضمير فصل ، وهو تأكيد لما أفاده تعريف المسند من القصر .

والتعريف في " الحق " تعريف الجنس . وأفاد تعريف الجزأين قصر المسند على المسند إليه ، أي قصر جنس الحق على الذي أوحينا إليك ، وهو قصر ادعائي للمبالغة لعدم الاعتداد بحقية ما عداه من الكتب .

وأما الكتب غير الإلهية مثل ( الزند فستا ) كتاب زرادشت ومثل كتب الصابئة فلأن ما فيها من قليل الحق قد غمر بالباطل والأوهام .

وأما الكتب الإلهية كالتوراة والإنجيل وما تضمنته كتب الأنبياء كالزبور وكتاب أرميا من الوحي الإلهي ، فما شهد القرآن بحقيته فقد دخل في شهادة قوله مصدقا لما بين يديه ، وما جاء نسخه بالقرآن فقد بين النسخ تحديد صلاحيته في القرآن . وذلك أيضا تصديق لها لأنه يدفع موهم بطلانها عند من يجد خلافها في القرآن ، وما عسى أن يكون قد نقل على تحريف أو تأويل فقد دخل فيما أخرجه القصر . وقد بين القرآن معظمه وكشف عن مواقعه كقوله وهو محرم عليكم إخراجهم .

ومعنى ما بين يديه ما سبقه لأن السابق يجيء متقدما على المسبوق فكأنه يمشي بين يديه كقوله تعالى إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد .

[ ص: 310 ] والمراد بما بين يديه ما قبله من الشرائع ، وأهمها شريعة موسى وشريعة عيسى عليهما السلام .

وانتصب مصدقا على الحال من الكتاب والعامل في الحال فعل " أوحينا " ليفيد أنه مع كونه حقا بالغا في الحقية فهو مصدق للكتب الحقة ، ومقرر لما اشتملت عليه من الحق .

التالي السابق


الخدمات العلمية