الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
وجملة ذلك : أن nindex.php?page=treesubj&link=3440المحرم يحرم عليه ابتداء الطيب بإجماع المسلمين . وهذا من العلم العام ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في المحرم الذي أوقصته ناقته : " nindex.php?page=hadith&LINKID=16015379لا تخمروا رأسه ولا تقربوه طيبا ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا " وفي [ ص: 79 ] رواية : " nindex.php?page=hadith&LINKID=16015380لا تحنطوه " متفق عليه .
وقال - فيما يلبس المحرم من الثياب - : " nindex.php?page=hadith&LINKID=16015381ولا يلبس ثوبا مسه ورس ولا زعفران " رواه الجماعة . فإذا نهى عن المورس والمزعفر مع أن ريحهما ليس بذاك ، فما له رائحة ذكية أولى .
فأما إن nindex.php?page=treesubj&link=3440تطيب قبل الإحرام بما له جرم يبقى كالمسك والذريرة والعنبر ونحوه ، أو مما لا يبقى كالورد والبخور ، ثم استدامه : لم يحرم ذلك عليه ، ولم يكره له لحديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أنها قالت : " nindex.php?page=hadith&LINKID=16015382كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أيام وهو محرم " متفق عليه ، وفي رواية : " nindex.php?page=hadith&LINKID=16015383كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله وهو محرم " رواه مسلم nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي .
[ ص: 80 ] وقد تقدم أنها كانت تطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الإحرام .
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015384وعن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت : "كنا نخرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة فنضمد جباهنا بالمسك المطيب عند الإحرام ، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراه النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا ينهانا " رواه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود وأحمد .
ولفظ عنها : " nindex.php?page=hadith&LINKID=16015385أنهن كن يخرجن مع رسول الله - صلى الله عليه سلم - عليهن الضماد قد أضمدن قبل أن يحرمن ، ثم يغتسلن وهو عليهن يعرقن ويغتسلن لا ينهاهن عنه " ولأن الطيب بمنزلة النكاح لأنه من دواعيه ، فإذا كان إنما يمنع من ابتداء النكاح دون استدامته فكذلك الطيب .
وأيضا : فإن الطيب إنما يراد به الاستدامة كالنكاح ، فإذا منع من ابتدائه لم يمنع من استدامته ، وعكسه اللباس ، فإنه لا يراد للاستدامة ، ولأن الطيب من جنس النظافة من حيث يقصد به قطع الرائحة الكريهة كما يقصد بالنظافة إزالة ما يجمع الشعر والظفر من الوسخ . ثم استحب قبل الإحرام أن يأخذ من شعره وأظفاره لكونه ممنوعا منه بعد الإحرام ، وإن بقي أثره . فكذلك استحب له التطيب قبله ، وإن بقي أثره بعده .
فإن قيل : فقد روى nindex.php?page=showalam&ids=90صفوان بن أمية - يعني عن يعلى - nindex.php?page=hadith&LINKID=16015386أن يعلى كان [ ص: 81 ] يقول nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر بن الخطاب : "ليتني أرى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - حين ينزل عليه فلما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة ، وعلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثوب قد أظل به ومعه ناس من أصحابه فيهم nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب إذ جاءه رجل عليه جبة متضمخ بطيب ، فقال : يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ بطيب ؟ فنظر إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ساعة ، ثم سكت فجاءه الوحي ، فأشار عمر بيده إلى nindex.php?page=showalam&ids=120يعلى بن أمية تعال فجاءه يعلى فأدخل رأسه فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - محمر الوجه يغط ساعة ، ثم سري عنه ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات ، وأما الجبة فانزعها ، ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك " متفق عليه ، لفظ مسلم . وفي رواية : " nindex.php?page=hadith&LINKID=16015387أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بالجعرانة قد أهل بعمرة وهو معصفر رأسه ولحيته ، وعليه جبة ، فقال : يا رسول الله إني أحرمت بعمرة ، وأنا كما ترى ، فقال : "انزع عنك الجبة واغسل عنك الصفرة " وفي رواية : " nindex.php?page=hadith&LINKID=16015388وهو متضمخ بالخلوق " رواهما مسلم .
فهذا يبين أن استدامة الطيب كاستدامة اللباس ، وقد روي عن عمر وابنه نحو ذلك .
قيل : قد أجاب أصحابنا عن هذا بجوابين أحدهما : أنه أمره بغسله لأنه [ ص: 82 ] كان زعفرانا وقد نهى - صلى الله عليه وسلم - أن nindex.php?page=treesubj&link=3440يتزعفر الرجل سواء كان حراما أو حلالا لأن طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه .
الثاني : أن هذا كان بالجعرانة - وكانت في ذي القعدة سنة ثمان عقب قسم غنائم حنين وقد حج النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة عشر واستدام الطيب ، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه يكون ناسخا للأول