الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وفي تقليم أظفاره ، وحف شاربه ، وحلق عانته قولان : ( أحدهما ) : يفعل ذلك ; لأنه تنظيف ، فشرع في حقه كإزالة الوسخ ( والثاني ) : يكره ، وهو قول [ ص: 140 ] المزني ; لأنه قطع جزء منه فهو كالختان ، قال الشافعي : ولا يحلق شعر رأسه ، قال أبو إسحاق إن لم يكن له جمة حلق رأسه ; لأنه تنظيف ، فهو كتقليم الأظفار ، والمذهب الأول ; لأن حلق الرأس يراد للزينة لا للتنظيف ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) في قلم أظفار الميت ، وأخذ شعر شاربه ، وإبطه ، وعانته قولان : ( الجديد ) أنها تفعل ( والقديم ) لا تفعل وللأصحاب طريقان : ( أحدهما ) : أن القولين في الاستحباب والكراهة ( أحدهما ) : يستحب ( والثاني ) : يكره ، وهذه طريقة المصنف هنا ، وشيخه القاضي أبي الطيب في تعليقه ، وصاحب الحاوي ، والغزالي في الوسيط والخلاصة ، وصاحب التهذيب ، والروياني في الحلية ، وآخرين من الأصحاب . قال صاحب الحاوي : القول الجديد : أنه مستحب وتركه مكروه وقطع المصنف في التنبيه ، والجرجاني في التحرير ، باستحبابه ( والطريق الثاني ) : أن القولين في الكراهة وعدمها ( أحدهما ) : يكره ( والثاني ) : لا يكره ولا يستحب قطعا ، وبهذا الطريق قال الشيخ أبو حامد والمحاملي والبندنيجي وابن الصباغ والشاشي وآخرون وهو ظاهر نص الشافعي في الأم ، فإنه قال : من الناس من كره أخذه ، ومنهم من رخص فيه .

                                      وأما قول الرافعي : لا خلاف أن هذه الأمور لا تستحب ، وإنما القولان في الكراهة ( فمردود ) بما قدمته من إثبات الخلاف في الاستحباب مع جزم من جزم ، وعجب قوله هذا مع شهرة هذه الكتب ، لا سيما الوسيط والمهذب والتنبيه .

                                      وأما الأصح من القولين فصحح المحاملي أنه لا يكره ، وقطع به في كتابه المقنع وصحح غيره الكراهة ، وهو المختار ونقله البندنيجي عن نص الشافعي في عامة كتبه ، منها الأم ومختصر الجنائز والقديم ، وقد قال الشافعي في مختصر المزني : من أصحابنا من رأى حلق الشعر وتقليم الأظفار ، ومنهم من لم يره . قال الشافعي : وتركه أعجب إلي . هذا نصه وهو صريح في ترجيح تركه ولم يصرح الشافعي في شيء من كتبه باستحبابه جزما ، إنما حكى اختلاف شيوخه في استحبابه وتركه ، واختار هو تركه ، فمذهبه تركه وما سواه [ ص: 141 ] ليس مذهبا له ، فيتعين ترجيح تركه ويؤيده أيضا أن الشافعي قال في المختصر والأم : ويتتبع الغاسل ما تحت أظافير الميت بعود حتى يخرج الوسخ . قال القاضي أبو الطيب في تعليقه : قال أصحابنا : هذا تفريع من الشافعي على أنه يترك أظافيره ، وأما إذا قلنا : تزال فلا حاجة إلى العود ، فحصل أن المذهب أو الصواب ترك هذه الشعور والأظفار ; لأن أجزاء الميت محترمة فلا تنتهك بهذا ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم في هذا شيء فكره فعله ، وإذا جمع الطريقان حصل ثلاثة أقوال : ( المختار ) : يكره ( والثاني ) : لا يكره ولا يستحب .

                                      ( والثالث ) : يستحب ، وممن استحبه سعيد بن المسيب وابن جبير والحسن البصري وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ، وممن كرهه مالك وأبو حنيفة والثوري والمزني وابن المنذر والجمهور ، ونقله العبدري عن جمهور العلماء . قال أصحابنا : وإذا قلنا : تزال هذه الشعور ، فللغاسل أن يأخذ شعر الإبط والعانة بالمقص أو الموسى أو النورة ، فإن نوره غسل موضع النورة ، هذا هو المذهب والمنصوص في الأم ، وبه قطع الجمهور ، وفيه وجه أنه يتعين النورة في العانة لئلا ينظر إلى عورته ، وبهذا قطع البندنيجي والمحاملي في المجموع . ووجه ثالث أنه يستحب النورة في العانة والإبط جميعا ، وبه جزم صاحب الحاوي ، والمذهب التخيير كما سبق ، لكن لا يمس ولا ينظر من العورة إلا قدر الضرورة .

                                      وأما الشارب فاتفق الأصحاب على أنه إذا قلنا يزال أزاله بالمقص كما يزيله في الحياة . قال المحاملي وغيره : يكره حف الشارب في حق الحي والميت جميعا ، ولكن يقصه بحيث لا تنكشف شفته .

                                      وأما قول المصنف حف شاربه ، فمراده قصه لا حقيقة الحف ، كما قاله أصحابنا ، وإذا قلنا : يزيل هذه الشعور والأظفار استحب إزالتها قبل الغسل ، صرح به المحاملي وابن الصباغ وغيرهما . قال ابن الصباغ في أول باب غسل الميت : يفعلها [ ص: 142 ] قبل غسله ، قال : وقد أخل المزني بالترتيب فذكره بعد الغسل وكان ينبغي أن يذكره قبله . قلت : وكذا عمل المصنف وجمهور الأصحاب ذكروه بعد الغسل ، وكأنهم تأسوا بالمزني رحمه الله ، ولا يلزم من هذا أنهم يخالفون في استحباب تقديمه ، وقد أشار المصنف إلى تقديمه بقوله قبل هذا : ويتتبع ما تحت أظفاره إن لم يكن قلمها .

                                      وأما شعر الرأس فقال الشافعي رحمه الله لا يحلقه . قال أصحابنا رحمهم الله : إن كان لا يعتاد حلق رأسه بأن كان ذا جمة وهي الشعر المسترسل الذي نزل إلى المنكبين لم يحلق بلا خلاف ، وإن كان عادته حلقه فطريقان : ، المذهب وبه قطع الجمهور لا : يحلق .

                                      ( الثاني ) : على القولين في الأظفار والشارب والإبط والعانة ، وهذا التفصيل الذي ذكرته بين المعتاد وغيره هو المعروف في المذهب ، وكلام المصنف محمول عليه .

                                      وأما ختان من مات قبل أن يختن ففيه ثلاث طرق ( المذهب ) وبه قطع المصنف والجمهور لا يختن .

                                      ( والطريق الثاني ) : فيه قولان : كالشعر والظفر ، حكاه الدارمي ( والثالث ) : فيه ثلاثة أوجه : حكاه صاحب البيان ، الصحيح : لا يختن ، والثاني : يختن : والثالث : يختن البالغ دون الصبي ; لأنه وجب على البالغ دون الصبي ( والصحيح ) الجزم بأنه لا يختن مطلقا ; لأنه جزء فلم يقطع كيده المستحقة في قطع سرقة أو قصاص ، فقد أجمعوا أنها لا تقطع ، ويخالف الشعر والظفر فإنهما يزالان في الحياة للزينة ، والميت يشارك الحي في ذلك ، والختان يفعل للتكليف به ، وقد زال بالموت ، والله أعلم .

                                      ( فرع ) في الشعور المأخوذة من شاربه وإبطه وعانته وأظفاره وما انتتف من تسريح رأسه ولحيته وجلدة الختان إذا قلنا : يختن وجهان : ( أحدهما ) : يستحب أن يصر كل ذلك معه في كفنه ويدفن . وبهذا قطع القاضي حسين وصاحبه البغوي والغزالي في الوسيط والخلاصة وصاحب العدة والرافعي وغيرهم . وأشار إليه المصنف في كتابه في الخلاف .

                                      ( والثاني ) : يستحب أن لا يدفن معه بل يوارى في الأرض غير القبر . [ ص: 143 ] وهذا اختيار صاحبه . فإنه حكى عن الأوزاعي استحباب دفنها معه . ثم قال : والاختيار عندنا أنها لا تدفن معه ; لأنه لم يرد فيه خبر ولا أثر والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية