الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار .

قوله تعالى : واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب قرأ ابن عباس : " عبدنا " بإسناد صحيح ، رواه ابن عيينة عن عمرو عن عطاء عنه ، وهي قراءة مجاهد وحميد وابن محيصن وابن كثير ، فعلى هذه القراءة يكون " إبراهيم " بدلا من " عبدنا " و " إسحاق ويعقوب " عطف . والقراءة بالجمع أبين ، وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم ، ويكون " إبراهيم " وما بعده على البدل . النحاس : وشرح هذا من العربية أنك إذا قلت : رأيت أصحابنا زيدا وعمرا وخالدا ، فزيد وعمرو وخالد بدل ، وهم الأصحاب ، وإذا قلت : رأيت صاحبنا زيدا وعمرا وخالدا ، فزيد وحده بدل ، وهو صاحبنا ، وزيد وعمرو عطف على صاحبنا وليسا بداخلين في المصاحبة إلا بدليل غير هذا ، غير أنه قد علم أن قوله : وإسحاق ويعقوب داخل في العبودية . وقد استدل بهذه الآية من قال : إن الذبيح إسحاق لا إسماعيل ، وهو الصحيح على ما ذكرناه في كتاب [ الإعلام بمولد النبي - عليه السلام - ]

أولي الأيدي والأبصار : قال النحاس : أما الأبصار فمتفق على تأويلها أنها البصائر في الدين والعلم . وأما الأيدي فمختلف في تأويلها ، فأهل التفسير يقولون : إنها القوة في الدين . وقوم يقولون : الأيدي جمع يد وهي النعمة ، أي : هم أصحاب النعم ، أي : الذين أنعم الله - عز وجل - عليهم . وقيل : هم أصحاب النعم والإحسان ; لأنهم قد أحسنوا وقدموا خيرا . وهذا اختيار الطبري . وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار : أي الذين اصطفاهم من الأدناس [ ص: 195 ] واختارهم لرسالته . ومصطفين جمع مصطفى ، والأصل مصتفى ، وقد مضى في [ البقرة ] عند قوله : إن الله اصطفى لكم الدين والأخيار جمع خير . وقرأ الأعمش وعبد الوارث والحسن وعيسى الثقفي " أولي الأيد " بغير ياء في الوصل والوقف على معنى أولي القوة في طاعة الله . ويجوز أن يكون كمعنى قراءة الجماعة ، وحذف الياء تخفيفا .

قوله تعالى : إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار قراءة العامة : " بخالصة " منونة ، وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم . وقرأ نافع وشيبة وأبو جعفر وهشام عن ابن عامر " بخالصة ذكرى الدار " بالإضافة ، فمن نون خالصة ف " ذكرى الدار " بدل منها ، التقدير : إنا أخلصناهم بأن يذكروا الدار الآخرة ، ويتأهبوا لها ، ويرغبوا فيها ، ويرغبوا الناس فيها . ويجوز أن يكون " خالصة " مصدرا لخلص ، و " ذكرى " في موضع رفع بأنها فاعلة ، والمعنى : أخلصناهم بأن خلصت لهم ذكرى الدار ، أي : تذكير الدار الآخرة . ويجوز أن يكون " خالصة " مصدرا لأخلصت فحذفت الزيادة ، فيكون " ذكرى " على هذا في موضع نصب ، التقدير : بأن أخلصوا ذكرى الدار . والدار يجوز أن يراد بها الدنيا ، أي : ليتذكروا الدنيا ويزهدوا فيها ، ولتخلص لهم بالثناء الحسن عليهم ، كما قال تعالى : وجعلنا لهم لسان صدق عليا ويجوز أن يراد بها الدار الآخرة وتذكير الخلق بها . ومن أضاف " خالصة " إلى الدار فهي مصدر بمعنى الإخلاص ، والذكرى مفعول به أضيف إليه المصدر ، أي : بإخلاصهم ذكرى الدار . ويجوز أن يكون المصدر مضافا إلى الفاعل والخالصة مصدر بمعنى الخلوص ، أي : بأن خلصت لهم ذكرى الدار ، وهي الدار الآخرة أو الدنيا على ما تقدم . وقال ابن زيد : معنى أخلصناهم أي : بذكر الآخرة ، أي : يذكرون الآخرة ويرغبون فيها ويزهدون في الدنيا . وقال مجاهد : المعنى : إنا أخلصناهم بأن ذكرنا الجنة لهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية