الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب القضاء في الرهن من الحيوان

                                                                                                          قال يحيى سمعت مالكا يقول الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا في الرهن أن ما كان من أمر يعرف هلاكه من أرض أو دار أو حيوان فهلك في يد المرتهن وعلم هلاكه فهو من الراهن وإن ذلك لا ينقص من حق المرتهن شيئا وما كان من رهن يهلك في يد المرتهن فلا يعلم هلاكه إلا بقوله فهو من المرتهن وهو لقيمته ضامن يقال له صفه فإذا وصفه أحلف على صفته وتسمية ماله فيه ثم يقومه أهل البصر بذلك فإن كان فيه فضل عما سمى فيه المرتهن أخذه الراهن وإن كان أقل مما سمى أحلف الراهن على ما سمى المرتهن وبطل عنه الفضل الذي سمى المرتهن فوق قيمة الرهن وإن أبى الراهن أن يحلف أعطي المرتهن ما فضل بعد قيمة الرهن فإن قال المرتهن لا علم لي بقيمة الرهن حلف الراهن على صفة الرهن وكان ذلك له إذا جاء بالأمر الذي لا يستنكر

                                                                                                          قال مالك وذلك إذا قبض المرتهن الرهن ولم يضعه على يدي غيره [ ص: 30 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 30 ] 12 - باب القضاء في الرهن من الحيوان

                                                                                                          - ( مالك : الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا في الرهن أنه ما كان من أمر يعرف هلاكه من أرض أو دار أو حيوان ) من كل ما لا يغاب عليه ( فهلك في يد المرتهن وعلم هلاكه فهو من الراهن ، وإن ذلك لا ينقص من حق المرتهن شيئا ) وكذا إذا ادعى إباق العبد وهروب الحيوان ، فلا ضمان ما لم يتبين كذبه ، كدعواه ذلك بحضرة عدول فأنكروه . ( وما كان من رهن يهلك في يد المرتهن فلا يعلم هلاكه إلا بقوله ) كثياب وعروض وعين وحلي وكل ما يكال أو يوزن مما يغاب عليه ( فهو من المرتهن ) قال عنه ابن القاسم : إلا أن تقوم بينة بهلاكه فلا يضمن ( وهو ) حيث لا بينة ( لقيمته ضامن ) فإن اتفقا على وصفه ، حكم بقيمة تلك الصفة ( ويقال ) إذا اختلفا ( له صفه ، فإذا وصفه أحلف على صفته ) أنها كما وصف ( و ) على ( تسمية ما ) أي الدين الذي ( له فيه ) أي في الرهن ، أي في مقابلته ، قال الباجي : يريد إذا اختلفا في قدر الدين ( ثم يقومه أهل البصر ) أي الخبرة ( بذلك ) الوصف الذي حلف عليه ( فإن كان فيه ) أي قيمة الرهن ( فضل ) زيادة ( عما سمى فيه المرتهن أخذه الراهن ، وإن كان ) قيمة الرهن ( أقل مما سمى ) المرتهن من الدين ( حلف الراهن على ما سمى المرتهن وبطل عنه الفضل ) الزائد ( الذي سمى المرتهن فوق قيمة الرهن ، وإن أبى الراهن أن يحلف أعطي ) أي لزمه أن يعطي المرتهن ( ما فضل بعد قيمة الرهن ، فإن قال المرتهن : لا علم لي بقيمة الرهن ، حلف الراهن على صفة الرهن ) لأن المرتهن صار مدعيا على الراهن [ ص: 31 ] ( وكان ذلك له إذا جاء بالأمر الذي لا يستنكر ) بأن أشبه ما قال ، فإن لم يشبه فللمرتهن أن يرجع فيقول : أنا إنما ادعيت الجهل بتحقق الصفة فأنا أصفه بصفة لا أشك أنها أفضل من صفة الرهن . وهي دون صفة الراهن بكثير ، فيحلف على ذلك يسقط عن نفسه ما يستنكر ، قاله الباجي .

                                                                                                          ( وذلك ) كله ( إذا قبض المرتهن الرهن ولم يضعه على يدي غيره ) فإن كان بيدي غيره فلا ضمان على المرتهن ، وإن لم تقم بينة ، قال ابن عبد البر : إذا اختلف في مبلغ الدين فلا خلاف في مذهب مالك أن القول للمرتهن فيما بينه وبين قيمة الرهن . وقال أبو حنيفة والشافعي : القول للراهن مع يمينه ولا ينظر إلى قيمة الرهن لأن المرتهن مدع . قال إسماعيل القاضي : والحجة قوله عز وجل : ( وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة ) ( سورة البقرة : الآية 283 ) فجعل الرهن بدلا من الشهادة لأن المرتهن أخذه وثيقة بحقه ، فكأنه شاهد له لأنه ينبئ عن مبلغ الدين ، وما جاوز قيمته فلا وثيقة فيه ، فكان القول فيه قول الراهن . قال : ووافق مالكا على الفرق بين ما يغاب عليه فيضمنه إلا لبينة ، وبين ما لا يغاب عليه فلا ضمان إلا أن يظهر كذبه . الأوزاعي وجماعة ، وروي عن علي ، وقال جماعة : هو مضمون مطلقا . وقال أبو حنيفة وجماعة : الرهن مضمون بقيمة الدين ، وما زاد عليه فهو أمانة ، وقال الشافعي وأحمد وجمهور المحدثين : الرهن كله أمانة لا يضمن إلا بما تضمن به الودائع من التعدي والتضييع ، سواء كان حليا أو حيوانا مما يغاب عليه أو لا يغاب عليه ، والدين ثابت على حاله للحديث : " له غنمه وعليه غرمه " . قالوا : " له غنمه " أي غلته وخراجه ، " وعليه غرمه " أي فكاكه ومنه مصيبته . والمرتهن ليس بمتعد في حبسه وإنما يضمن من تعدى . وقال الحنفية : غنمه ما فضل من الدين وغرمه ما نقص منه . وقال المالكية : غرمه نفقته لا فكاكه ومصيبته ، وإذا كان له الخراج والغلة وهو غنمه كان الغرم ما قابل ذلك من النفقة .




                                                                                                          الخدمات العلمية