الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في وقت المغرب

                                                                                                          164 حدثنا قتيبة حدثنا حاتم بن إسمعيل عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب قال وفي الباب عن جابر والصنابحي وزيد بن خالد وأنس ورافع بن خديج وأبي أيوب وأم حبيبة وعباس بن عبد المطلب وابن عباس وحديث العباس قد روي موقوفا عنه وهو أصح والصنابحي لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وهو صاحب أبي بكر رضي الله عنه قال أبو عيسى حديث سلمة بن الأكوع حديث حسن صحيح وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين اختاروا تعجيل صلاة المغرب وكرهوا تأخيرها حتى قال بعض أهل العلم ليس لصلاة المغرب إلا وقت واحد وذهبوا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث صلى به جبريل وهو قول ابن المبارك والشافعي

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( نا حاتم بن إسماعيل ) المدني كوفي الأصل ، قال في التقريب : صحيح الكتاب صدوق يهم ، انتهى . وقال في الخلاصة : قال ابن سعيد كان ثقة مأمونا كثير الحديث ، انتهى . قلت هو من رجال الكتب الستة .

                                                                                                          ( عن يزيد بن أبي عبيد ) الأسلمي مولى سلمة بن الأكوع ، ثقة من الرابعة ، كذا في التقريب .

                                                                                                          ( وتوارت بالحجاب ) هذا تفسير للجملة الأولى أعني إذا غربت الشمس ، والحديث يدل على أن وقت المغرب يدخل عند غروب الشمس ، وهو مجمع عليه .

                                                                                                          ( وفي الباب عن جابر وزيد بن خالد وأنس ورافع بن خديج وأبي أيوب وأم حبيبة وعباس بن عبد المطلب ) أما حديث جابر فأخرجه أحمد ، وأما حديث زيد بن خالد فأخرجه الطبراني ، وأما حديث [ ص: 428 ] أنس فأخرجه أحمد وأبو داود ، وأما حديث رافع بن خديج فأخرجه البخاري ومسلم ، وأما حديث أبي أيوب فأخرجه أحمد وأبو داود والحاكم ، وأما حديث أم حبيبة فلينظر من خرجه ، وأما حديث عباس بن عبد المطلب فأخرجه ابن ماجه .

                                                                                                          قوله : ( حديث سلمة بن الأكوع حديث حسن صحيح ) أخرجه الجماعة إلا النسائي .

                                                                                                          قوله : ( اختاروا تعجيل صلاة المغرب ) لحديث الباب ولحديث رافع بن خديج : كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله ، متفق عليه ، ولحديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تزال أمتي بخير أو على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم رواه أحمد وأبو داود .

                                                                                                          ( حتى قال بعض أهل العلم ليس لصلاة المغرب إلا وقت واحد ) قد اختلف السلف في صلاة المغرب هل هي ذات وقت أو وقتين ، فقال الشافعي وابن المبارك : إنه ليس لها إلا وقت واحد وهو أول الوقت . وقال الأكثرون : هي ذات وقتين أول الوقت هو غروب الشمس وآخره ذهاب الشفق الأحمر .

                                                                                                          تمسك الشافعي وابن المبارك بحديث جبريل فإن فيه : ثم صلى المغرب لوقته الأول وتمسك الأكثرون بحديث عبد الله بن عمرو فإن فيه : وقت صلاة المغرب ما لم يسقط ثور الشفق ، رواه مسلم وغيره ، وبحديث أبي موسى فإن فيه ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق رواه مسلم وغيره وقول الأكثرين هو الحق .

                                                                                                          وأما حديث جبريل فإنه كان بمكة ، وهذان الحديثان متأخران عنه ومتضمنان لزيادة ، قال النووي في شرح مسلم تحت حديث عبد الله بن عمرو : هذا الحديث وما بعده من الأحاديث صريح في أن وقت المغرب يمتد إلى غروب الشفق ، وهذا أحد القولين في مذهبنا ، وهو ضعيف عند جمهور نقلة مذهبنا ، وقالوا الصحيح أنه ليس لها إلا وقت واحد ، وهو عقب غروب الشمس بقدر ما يطهر ويستر عورته ويؤذن ويقيم ، فإن أخر الدخول في الصلاة عن هذا الوقت أثم وصارت قضاء وذهب المحققون من أصحابنا إلى ترجيح القول [ ص: 429 ] بجواز تأخيرها ما لم يغب الشفق وأنه يجوز ابتداؤها في كل وقت من ذلك ولا يأثم بتأخيرها عن أول الوقت ، وهذا هو الصحيح ، والصواب الذي لا يجوز غيره .

                                                                                                          والجواب : عن حديث جبريل حين صلى المغرب في اليومين في وقت واحد حين غربت الشمس من ثلاثة أوجه :

                                                                                                          أحدها : أنه اقتصر على بيان وقت الاختيار ولم يستوعب وقت الجواز ، وهذا جار في كل الصلاة سوى الظهر .

                                                                                                          والثاني : أنه متقدم في أول الأمر بمكة ، وهذه الأحاديث بامتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق متأخرة في أواخر الأمر بالمدينة فوجب اعتمادها .

                                                                                                          والثالث : أن هذه الأحاديث أصح إسنادا من حديث بيان جبريل عليه السلام فوجب تقديمها . انتهى كلام النووي .




                                                                                                          الخدمات العلمية