قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=10قل ياعبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=10قل يا عبادي الذين آمنوا أي قل يا
محمد لعبادي المؤمنين " اتقوا ربكم " أي اتقوا معاصيه ، والتاء مبدلة من واو ، وقد تقدم . وقال
ابن عباس : يريد
nindex.php?page=showalam&ids=315جعفر بن أبي طالب والذين خرجوا معه إلى
الحبشة . ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=10للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة يعني بالحسنة الأولى الطاعة وبالثانية الثواب في الجنة . وقيل : المعنى للذين أحسنوا في الدنيا حسنة في الدنيا ، يكون ذلك زيادة على ثواب الآخرة ، والحسنة الزائدة في الدنيا الصحة والعافية والظفر والغنيمة . قال
القشيري : والأول أصح ; لأن الكافر قد نال نعم الدنيا .
قلت : وينالها معه المؤمن ويزاد الجنة إذا شكر تلك النعم . وقد تكون الحسنة في الدنيا الثناء الحسن ، وفي الآخرة الجزاء .
" وأرض الله واسعة " فهاجروا فيها ولا تقيموا مع من يعمل بالمعاصي . وقد مضى القول في هذا مستوفى في [ النساء ] وقيل : المراد أرض الجنة ، رغبهم في سعتها وسعة نعيمها ، كما قال : " وجنة عرضها السماوات والأرض " والجنة قد تسمى أرضا ، قال الله تعالى : وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء
[ ص: 215 ] والأول أظهر ، فهو أمر بالهجرة . أي : ارحلوا من
مكة إلى حيث تأمنوا .
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي : يحتمل أن يريد بسعة الأرض سعة الرزق ; لأنه يرزقهم من الأرض فيكون معناه : ورزق الله واسع ، وهو أشبه ; لأنه أخرج سعتها مخرج الامتنان .
قلت : فتكون الآية دليلا على الانتقال من الأرض الغالية ، إلى الأرض الراخية ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري : كن في موضع تملأ فيه جرابك خبزا بدرهم .
nindex.php?page=treesubj&link=29010إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب أي بغير تقدير . وقيل : يزاد على الثواب ; لأنه لو أعطي بقدر ما عمل لكان بحساب . وقيل : بغير حساب أي : بغير متابعة ولا مطالبة كما تقع المطالبة بنعيم الدنيا . و " الصابرون " هنا الصائمون ، دليله قوله عليه الصلاة والسلام مخبرا عن الله - عز وجل - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=831050الصوم لي وأنا أجزي به " قال أهل العلم : كل أجر يكال كيلا ويوزن وزنا إلا الصوم فإنه يحثى حثوا ويغرف غرفا ، وحكي عن
علي - رضي الله عنه - . وقال
مالك بن أنس في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=10إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب قال : هو
nindex.php?page=treesubj&link=19585الصبر على فجائع الدنيا وأحزانها . ولا شك أن كل من سلم فيما أصابه ، وترك ما نهي عنه ، فلا مقدار لأجرهم . وقال
قتادة : لا والله ما هناك مكيال ولا ميزان ، حدثني
أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال : تنصب الموازين فيؤتى بأهل الصدقة فيوفون أجورهم بالموازين ، وكذلك الصلاة والحج ، ويؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ، ولا ينشر لهم ديوان ، ويصب عليهم الأجر بغير حساب . قال الله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=10إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل . وعن
الحسين بن علي - رضي الله عنهما قال : سمعت جدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
أد الفرائض تكن من أعبد الناس ، وعليك بالقنوع تكن من أغنى الناس ، يا بني إن في الجنة شجرة يقال لها شجرة البلوى ، يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ، ولا ينشر لهم ديوان ، يصب عليهم الأجر صبا . ثم تلا النبي - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=10إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب . ولفظ صابر يمدح به ، وإنما هو لمن صبر عن المعاصي ، وإذا أردت أنه صبر على المصيبة قلت : صابر على كذا ، قال
النحاس . وقد مضى في [ البقرة ] مستوفى .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=10قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=10قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا أَيْ قُلْ يَا
مُحَمَّدُ لِعِبَادِيَ الْمُؤْمِنِينَ " اتَّقُوا رَبَّكُمْ " أَيِ اتَّقُوا مَعَاصِيهِ ، وَالتَّاءُ مُبْدَلَةٌ مِنْ وَاوٍ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : يُرِيدُ
nindex.php?page=showalam&ids=315جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالَّذِينَ خَرَجُوا مَعَهُ إِلَى
الْحَبَشَةِ . ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=10لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ يَعْنِي بِالْحَسَنَةِ الْأُولَى الطَّاعَةَ وَبِالثَّانِيَةِ الثَّوَابَ فِي الْجَنَّةِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةٌ فِي الدُّنْيَا ، يَكُونُ ذَلِكَ زِيَادَةً عَلَى ثَوَابِ الْآخِرَةِ ، وَالْحَسَنَةُ الزَّائِدَةُ فِي الدُّنْيَا الصِّحَّةُ وَالْعَافِيَةُ وَالظَّفَرُ وَالْغَنِيمَةُ . قَالَ
الْقُشَيْرِيُّ : وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ; لِأَنَّ الْكَافِرَ قَدْ نَالَ نِعَمَ الدُّنْيَا .
قُلْتُ : وَيَنَالُهَا مَعَهُ الْمُؤْمِنُ وَيُزَادُ الْجَنَّةَ إِذَا شَكَرَ تِلْكَ النِّعَمَ . وَقَدْ تَكُونُ الْحَسَنَةُ فِي الدُّنْيَا الثَّنَاءَ الْحَسَنَ ، وَفِي الْآخِرَةِ الْجَزَاءَ .
" وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ " فَهَاجِرُوا فِيهَا وَلَا تُقِيمُوا مَعَ مَنْ يَعْمَلُ بِالْمَعَاصِي . وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي هَذَا مُسْتَوْفًى فِي [ النِّسَاءِ ] وَقِيلَ : الْمُرَادُ أَرْضُ الْجَنَّةِ ، رَغَّبَهُمْ فِي سَعَتِهَا وَسَعَةِ نَعِيمِهَا ، كَمَا قَالَ : " وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ " وَالْجَنَّةُ قَدْ تُسَمَّى أَرْضًا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ
[ ص: 215 ] وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ، فَهُوَ أَمْرٌ بِالْهِجْرَةِ . أَيِ : ارْحَلُوا مِنْ
مَكَّةَ إِلَى حَيْثُ تَأْمَنُوا .
nindex.php?page=showalam&ids=15151الْمَاوَرْدِيُّ : يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِسَعَةِ الْأَرْضِ سَعَةَ الرِّزْقِ ; لِأَنَّهُ يَرْزُقُهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ : وَرِزْقُ اللَّهِ وَاسِعٌ ، وَهُوَ أَشْبَهُ ; لِأَنَّهُ أَخْرَجَ سَعَتَهَا مَخْرَجَ الِامْتِنَانِ .
قُلْتُ : فَتَكُونُ الْآيَةُ دَلِيلًا عَلَى الِانْتِقَالِ مِنَ الْأَرْضِ الْغَالِيَةِ ، إِلَى الْأَرْضِ الرَّاخِيَةِ ، كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : كُنْ فِي مَوْضِعٍ تَمْلَأُ فِيهِ جِرَابَكَ خُبْزًا بِدِرْهَمٍ .
nindex.php?page=treesubj&link=29010إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ أَيْ بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ . وَقِيلَ : يُزَادُ عَلَى الثَّوَابِ ; لِأَنَّهُ لَوْ أُعْطِيَ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ لَكَانَ بِحِسَابٍ . وَقِيلَ : بِغَيْرِ حِسَابٍ أَيْ : بِغَيْرِ مُتَابَعَةٍ وَلَا مُطَالَبَةٍ كَمَا تَقَعُ الْمُطَالَبَةُ بِنَعِيمِ الدُّنْيَا . وَ " الصَّابِرُونَ " هُنَا الصَّائِمُونَ ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُخْبِرًا عَنِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=831050الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ " قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ : كُلُّ أَجْرٍ يُكَالُ كَيْلًا وَيُوزَنُ وَزْنًا إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ يُحْثَى حَثْوًا وَيُغْرَفُ غَرْفًا ، وَحُكِيَ عَنْ
عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - . وَقَالَ
مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=10إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ قَالَ : هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=19585الصَّبْرُ عَلَى فَجَائِعِ الدُّنْيَا وَأَحْزَانِهَا . وَلَا شَكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ سَلَّمَ فِيمَا أَصَابَهُ ، وَتَرَكَ مَا نُهِيَ عَنْهُ ، فَلَا مِقْدَارَ لِأَجْرِهِمْ . وَقَالَ
قَتَادَةُ : لَا وَاللَّهِ مَا هُنَاكَ مِكْيَالٌ وَلَا مِيزَانٌ ، حَدَّثَنِي
أَنَسٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ : تُنْصَبُ الْمَوَازِينُ فَيُؤْتَى بِأَهْلِ الصَّدَقَةِ فَيُوَفَّوْنَ أُجُورَهُمْ بِالْمَوَازِينِ ، وَكَذَلِكَ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ ، وَيُؤْتَى بِأَهْلِ الْبَلَاءِ فَلَا يُنْصَبُ لَهُمْ مِيزَانٌ ، وَلَا يُنْشَرُ لَهُمْ دِيوَانٌ ، وَيُصَبُّ عَلَيْهِمُ الْأَجْرُ بِغَيْرِ حِسَابٍ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=10إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ حَتَّى يَتَمَنَّى أَهْلُ الْعَافِيَةِ فِي الدُّنْيَا أَنَّ أَجْسَادَهُمْ تُقْرَضُ بِالْمَقَارِيضِ مِمَّا يَذْهَبُ بِهِ أَهْلُ الْبَلَاءِ مِنَ الْفَضْلِ . وَعَنِ
الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ جَدِّي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ :
أَدِّ الْفَرَائِضَ تَكُنْ مِنْ أَعْبَدِ النَّاسِ ، وَعَلَيْكَ بِالْقُنُوعِ تَكُنْ مِنْ أَغْنَى النَّاسِ ، يَا بُنَيَّ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يُقَالُ لَهَا شَجَرَةُ الْبَلْوَى ، يُؤْتَى بِأَهْلِ الْبَلَاءِ فَلَا يُنْصَبُ لَهُمْ مِيزَانٌ ، وَلَا يُنْشَرُ لَهُمْ دِيوَانٌ ، يُصَبُّ عَلَيْهِمُ الْأَجْرُ صَبًّا . ثُمَّ تَلَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=10إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ . وَلَفْظُ صَابِرٍ يُمْدَحُ بِهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ لِمَنْ صَبَرَ عَنِ الْمَعَاصِي ، وَإِذَا أَرَدْتَ أَنَّهُ صَبَرَ عَلَى الْمُصِيبَةِ قُلْتَ : صَابِرٌ عَلَى كَذَا ، قَالَ
النَّحَّاسُ . وَقَدْ مَضَى فِي [ الْبَقَرَةِ ] مُسْتَوْفًى .