كتاب أسرار الصوم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله الذي أعظم على عباده المنة بما دفع عنهم كيد الشيطان وفنه ورد أمله وخيب ظنه إذ وفتح لهم به أبواب الجنة وعرفهم أن وسيلة الشيطان إلى قلوبهم الشهوات المستكنة وإن بقمعها تصبح النفس المطمئنة ظاهرة الشوكة في قصم خصمها قوية المنة والصلاة على جعل الصوم حصنا لأوليائه وجنة محمد قائد الخلق وممهد السنة وعلى آله وأصحابه ذوي الأبصار الثاقبة والعقول المرجحة وسلم تسليما كثيرا .
التالي
السابق
(بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما يا ناصر كل صابر) .
الحمد لله رافع منار الإيمان بشهادة التوحيد الصدق الذي أوجبه على الخاص والعام، وموطد دعائم الإسلام بالصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان في كل عام، والصلاة والسلام على أشرف الأنام، مولانا وسيدنا محمد الذي بين الشرائع والأحكام، وميز بين الحلال والحرام، وأرشد الخلق إلى دار السلام، وعلى آله البررة الكرام، وأصحابه الأئمة الأعلام، مصابيح الظلام، وعلى التابعين لهم ما دامت الليالي والأيام. وبعد، فهذا شرح (كتاب أسرار الصوم) ، وهو أول السادس من الربع الأول من إحياء علوم الدين للإمام حجة الإسلام قدس الله روحه وأوصل إلينا فتوحه، يفصل مجملاته ويبين معضلاته، وينشر مطوياته ويظهر مكنوناته، بتحقيق تام المسائل وتوفيق عام بين الدلائل، وتيسير بهي للفوائد، وتفسير جلي للمقاصد، لم آل جهدا في الكشف عن مضامين عباراته، والرفع لنقاب الخفاء من مظان إشاراته، على وجه جميل يرتضيه أهل الظاهر والباطن بالتسليم، معتصما بالله، ومن عصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم، قال رضي الله عنه في بدء كتابه: أبي حامد الغزالي، (بسم الله الرحمن الرحيم) عملا بالحديث المشهور والذي تقدم ذكره: ثم عقبه بقوله: (الحمد لله) للتأسي والاقتداء بالكتاب العزيز، حيث جاء ذكر الحمد بعد البسملة، وللعمل بالحديث الثاني الوارد فيه: لم يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع. وكل من الجذم والقطع أعم من أن يكونا بالصورة والصحة أو بالثمرة والبركة؛ أي: كل فعل خلا عنهما فلا يخلو عن الجذم أو القطع؛ إما بالصورة أو بالمعنى أو بهما جميعا، ثم إن المعتبر في البداءة بهما كونهما بالقلب؛ إذ عليه مدار المقاصد، ولكن لما كان الاطلاع على حقيقة ما في القلب متعسرا جعل اللسان دليلا عليه؛ لكونه معربا عما في الضمير، فحسنت الملازمة بينهما؛ ليكون كل منهما مطابقا للثاني، خصوصا في مقام إظهار الشكر لظهور النعم (الذي أعظم على عباده المنة) هي بكسر الميم النعمة الثقيلة، اسم من من عليه وبه يمن منا، إذا أنعم عليه، والجمع منى، كسدرة وسدر، وقد جاء فعلاها [ ص: 186 ] للماضي والمضارع في القرآن، قال تعالى: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أجذم، ولقد مننا عليك مرة أخرى: وقال تعالى: يمنون عليك أن أسلموا وامتن عليه به مثله، وإعظامها وتعظيمها بمعنى واحد، وهو توفيرها وتفخيمها، (بما دفع عنهم كيد الشيطان) أي: خداعه (وفنه) أي: مكره وتلبيسه، وأصل الفن النوع والضرب من الشيء والجمع فنون، ويقال: هو صاحب فنون لمن عنده حيل وتدابير، (ورد أمله) بالخسران أي: ما كان يؤمله من بني آدم المؤمنين منهم خاصة بإبعاده لهم بالشر، (وخيب ظنه) أي: جعل ما كان يظنه منهم خائبا، أو جعله خائبا فيما كان يظنه فلم يظفر بما رامه منهم؛ (إذ جعل الصوم) الذي لا مثل له في العبادات (حصنا) أي: بمنزلة الحصن الذي يتحصن به من شر الأعداء (لأوليائه) وهم عباده المتقون؛ لقوله تعالى: إن أولياؤه إلا المتقون بالولاية العامة والخاصة؛ قال تعالى: الله ولي الذين آمنوا (وجنة) أي: وقاية، وفيه تلميح لحديث عند أبي هريرة مسلم: وسيأتي. وأصل الجنة ما يتوقى به من الأعادي، والجمع جنن، والصوم جنة، ومن حيث إن كلا منهما حصن من الأعداء والعذاب، أما الصوم فحديث وللصوم شبه تام بالتوحيد من حيث إن كلا منهم أمر باطني لا يطلع عليه إلا الله تعالى، السابق، وأما التوحيد فما رواه أهل البيت: أبي هريرة لا إله إلا الله حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي. (وفتح لهم به أبواب الجنة) ، أشار به إلى ما رواه من حديث مسلم أبي هريرة: وسيأتي. وبين الجنة والجنة جناس، (وعرفهم) تعريفا إلهاميا أو تعليميا بواسطة سفرائه الكرام عليهم السلام (أن وسيلة) عدوهم (الشيطان) في التوصل (إلى قلوبهم) بقلبها عن وجهها هي (الشهوات) الخفية (المستكنة) ، أشار بذلك إلى ما ورد في الخبر: إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة. أي: هذه الأسباب معينة له على ما يريده من الإنسان من التصرف في الفضول، وهو ما زاد عن التصرف المشروع، والشهوات هي المشتهيات والمستلذات التي لا تتمالك النفس عنها، (وإن بقمعها) أي: دفع تلك الشهوات الخفية (تصبح النفس المطمئنة) وهي التي سكنت تحت الأمر وزايلها الاضطراب لسبب معارضة الشهوات (ظاهرة الشوكة) أي: غالبتها، والشوكة شدة البأس (في قصم) أي: قطع (خصمها) ، وهو الشيطان الذي يعارضها بالشهوات، وبين الخصم والقصم جناس (قوية المنة) بضم الميم من الأضداد يطلق على القوة وعلى الضعف. قاله أن الشيطان يجري من بني آدم مجرى الدم، فسدوا مجاريه بالجوع والعطش؛ فإن أريد بها معنى القوة، فلابد من التجريد كما لا يخفى، (والصلاة على سيدنا ابن القطاع، محمد قائد الخلق) أي: سائقهم إلى الحشر، وبه سمي الحاشر؛ إذ يحشر الناس على قدمه، وقائد الغر المحجلين من أمته خاصة إلى الجنة، أو أن المراد بالقائد الرئيس؛ فهو صلى الله عليه وسلم رئيس الخلق وسيدهم على الإطلاق، (وممهد السنة) أي: مسهلها لسالكيها، والسنة الطريقة المسلوكة، والمراد بها سنة الله، وهي طريقة حكمته وطاعته، (وعلى آله وأصحابه ذوي الآراء الثاقبة) أي: المضيئة بنور النبوة أو النافذة الصائبة، والرأي استخراج صواب العاقبة (والعقول المرجحنة) أي: الراجحة، والنون زائدة، وأرجحن المطر دام، (وسلم تسليما كثيرا) ، ومباحث الصلاة والسلام كالحمد، وتعريف الآل والصاحب مشهورة في الكتب، وقد أسلفنا شيئا منها في أول كتاب العلم، ثم اعلم أن قول المصنف: كتاب أسرار الصوم، هو كقوله في الوجيز: كتاب الصيام، وتبعه في المحرر، الرافعي والنووي في الروضة؛ وذلك لأن كلا منهما بمعنى واحد، يقال: صام صوما وصياما، وأبدى بعض أصحابنا بينهما فرقا خاصا؛ حيث قال نقلا عن الفتاوى الظهيرية: لو قال: لله علي صوم، لزمه يوم واحد، ولو قال: صيام؛ لزمه ثلاثة أيام كما في قوله تعالى: ففدية من صيام ا ه .
ولعل وجهه كما قرره بعض المتأخرين أنه أريد بلفظ صيام في لسان الشرع ثلاثة أيام، فكذا في النذر خروجا عن العهدة بيقين بخلاف لفظ صوم، وهذا على توهم أن الصيغة لها دلالة على التعدد، وعندي فيه نظر لا يخفى؛ فتأمله .
الحمد لله رافع منار الإيمان بشهادة التوحيد الصدق الذي أوجبه على الخاص والعام، وموطد دعائم الإسلام بالصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان في كل عام، والصلاة والسلام على أشرف الأنام، مولانا وسيدنا محمد الذي بين الشرائع والأحكام، وميز بين الحلال والحرام، وأرشد الخلق إلى دار السلام، وعلى آله البررة الكرام، وأصحابه الأئمة الأعلام، مصابيح الظلام، وعلى التابعين لهم ما دامت الليالي والأيام. وبعد، فهذا شرح (كتاب أسرار الصوم) ، وهو أول السادس من الربع الأول من إحياء علوم الدين للإمام حجة الإسلام قدس الله روحه وأوصل إلينا فتوحه، يفصل مجملاته ويبين معضلاته، وينشر مطوياته ويظهر مكنوناته، بتحقيق تام المسائل وتوفيق عام بين الدلائل، وتيسير بهي للفوائد، وتفسير جلي للمقاصد، لم آل جهدا في الكشف عن مضامين عباراته، والرفع لنقاب الخفاء من مظان إشاراته، على وجه جميل يرتضيه أهل الظاهر والباطن بالتسليم، معتصما بالله، ومن عصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم، قال رضي الله عنه في بدء كتابه: أبي حامد الغزالي، (بسم الله الرحمن الرحيم) عملا بالحديث المشهور والذي تقدم ذكره: ثم عقبه بقوله: (الحمد لله) للتأسي والاقتداء بالكتاب العزيز، حيث جاء ذكر الحمد بعد البسملة، وللعمل بالحديث الثاني الوارد فيه: لم يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع. وكل من الجذم والقطع أعم من أن يكونا بالصورة والصحة أو بالثمرة والبركة؛ أي: كل فعل خلا عنهما فلا يخلو عن الجذم أو القطع؛ إما بالصورة أو بالمعنى أو بهما جميعا، ثم إن المعتبر في البداءة بهما كونهما بالقلب؛ إذ عليه مدار المقاصد، ولكن لما كان الاطلاع على حقيقة ما في القلب متعسرا جعل اللسان دليلا عليه؛ لكونه معربا عما في الضمير، فحسنت الملازمة بينهما؛ ليكون كل منهما مطابقا للثاني، خصوصا في مقام إظهار الشكر لظهور النعم (الذي أعظم على عباده المنة) هي بكسر الميم النعمة الثقيلة، اسم من من عليه وبه يمن منا، إذا أنعم عليه، والجمع منى، كسدرة وسدر، وقد جاء فعلاها [ ص: 186 ] للماضي والمضارع في القرآن، قال تعالى: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أجذم، ولقد مننا عليك مرة أخرى: وقال تعالى: يمنون عليك أن أسلموا وامتن عليه به مثله، وإعظامها وتعظيمها بمعنى واحد، وهو توفيرها وتفخيمها، (بما دفع عنهم كيد الشيطان) أي: خداعه (وفنه) أي: مكره وتلبيسه، وأصل الفن النوع والضرب من الشيء والجمع فنون، ويقال: هو صاحب فنون لمن عنده حيل وتدابير، (ورد أمله) بالخسران أي: ما كان يؤمله من بني آدم المؤمنين منهم خاصة بإبعاده لهم بالشر، (وخيب ظنه) أي: جعل ما كان يظنه منهم خائبا، أو جعله خائبا فيما كان يظنه فلم يظفر بما رامه منهم؛ (إذ جعل الصوم) الذي لا مثل له في العبادات (حصنا) أي: بمنزلة الحصن الذي يتحصن به من شر الأعداء (لأوليائه) وهم عباده المتقون؛ لقوله تعالى: إن أولياؤه إلا المتقون بالولاية العامة والخاصة؛ قال تعالى: الله ولي الذين آمنوا (وجنة) أي: وقاية، وفيه تلميح لحديث عند أبي هريرة مسلم: وسيأتي. وأصل الجنة ما يتوقى به من الأعادي، والجمع جنن، والصوم جنة، ومن حيث إن كلا منهما حصن من الأعداء والعذاب، أما الصوم فحديث وللصوم شبه تام بالتوحيد من حيث إن كلا منهم أمر باطني لا يطلع عليه إلا الله تعالى، السابق، وأما التوحيد فما رواه أهل البيت: أبي هريرة لا إله إلا الله حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي. (وفتح لهم به أبواب الجنة) ، أشار به إلى ما رواه من حديث مسلم أبي هريرة: وسيأتي. وبين الجنة والجنة جناس، (وعرفهم) تعريفا إلهاميا أو تعليميا بواسطة سفرائه الكرام عليهم السلام (أن وسيلة) عدوهم (الشيطان) في التوصل (إلى قلوبهم) بقلبها عن وجهها هي (الشهوات) الخفية (المستكنة) ، أشار بذلك إلى ما ورد في الخبر: إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة. أي: هذه الأسباب معينة له على ما يريده من الإنسان من التصرف في الفضول، وهو ما زاد عن التصرف المشروع، والشهوات هي المشتهيات والمستلذات التي لا تتمالك النفس عنها، (وإن بقمعها) أي: دفع تلك الشهوات الخفية (تصبح النفس المطمئنة) وهي التي سكنت تحت الأمر وزايلها الاضطراب لسبب معارضة الشهوات (ظاهرة الشوكة) أي: غالبتها، والشوكة شدة البأس (في قصم) أي: قطع (خصمها) ، وهو الشيطان الذي يعارضها بالشهوات، وبين الخصم والقصم جناس (قوية المنة) بضم الميم من الأضداد يطلق على القوة وعلى الضعف. قاله أن الشيطان يجري من بني آدم مجرى الدم، فسدوا مجاريه بالجوع والعطش؛ فإن أريد بها معنى القوة، فلابد من التجريد كما لا يخفى، (والصلاة على سيدنا ابن القطاع، محمد قائد الخلق) أي: سائقهم إلى الحشر، وبه سمي الحاشر؛ إذ يحشر الناس على قدمه، وقائد الغر المحجلين من أمته خاصة إلى الجنة، أو أن المراد بالقائد الرئيس؛ فهو صلى الله عليه وسلم رئيس الخلق وسيدهم على الإطلاق، (وممهد السنة) أي: مسهلها لسالكيها، والسنة الطريقة المسلوكة، والمراد بها سنة الله، وهي طريقة حكمته وطاعته، (وعلى آله وأصحابه ذوي الآراء الثاقبة) أي: المضيئة بنور النبوة أو النافذة الصائبة، والرأي استخراج صواب العاقبة (والعقول المرجحنة) أي: الراجحة، والنون زائدة، وأرجحن المطر دام، (وسلم تسليما كثيرا) ، ومباحث الصلاة والسلام كالحمد، وتعريف الآل والصاحب مشهورة في الكتب، وقد أسلفنا شيئا منها في أول كتاب العلم، ثم اعلم أن قول المصنف: كتاب أسرار الصوم، هو كقوله في الوجيز: كتاب الصيام، وتبعه في المحرر، الرافعي والنووي في الروضة؛ وذلك لأن كلا منهما بمعنى واحد، يقال: صام صوما وصياما، وأبدى بعض أصحابنا بينهما فرقا خاصا؛ حيث قال نقلا عن الفتاوى الظهيرية: لو قال: لله علي صوم، لزمه يوم واحد، ولو قال: صيام؛ لزمه ثلاثة أيام كما في قوله تعالى: ففدية من صيام ا ه .
ولعل وجهه كما قرره بعض المتأخرين أنه أريد بلفظ صيام في لسان الشرع ثلاثة أيام، فكذا في النذر خروجا عن العهدة بيقين بخلاف لفظ صوم، وهذا على توهم أن الصيغة لها دلالة على التعدد، وعندي فيه نظر لا يخفى؛ فتأمله .
(تنبيه)
عقب الزكاة بالصوم اقتداء بالقرآن وعملا بالحديث المشهور: فإنه قدم الزكاة فيه على الصوم، والصوم على الحج. وهي رواية بني الإسلام على خمس؛ ابن عمرو، على هذا عمل أكثر الفقهاء من أرباب المذاهب المتبوعة، وذكر الإمام محمد بن الحسن [ ص: 187 ] في الجامعين الكبير والصغير: الصوم عقيب الصلاة. واختاره في فتاويه؛ لأن كلا منهما عبادة بدنية؛ إذ هو ترك الأعمال البدنية، أعني الأكل والشرب والجماع، وقد جاء في بعض الأخبار هكذا. وذلك فيما رواه قاضي خان وصححه الترمذي الحاكم من طريق وابن حبان سليم بن عامر، قال: سمعت يقول: أبا أمامة وأخرجه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول: اتقوا الله، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم؛ تدخلوا جنة ربكم. في مسند الشاميين من حديث الطبراني أبي الدراء، وفيه: بدل: وأطيعوا ذا أمركم؛ ولأن وجود الصوم مقدم على وجود الزكاة؛ لأنه افترض قبلها على الصحيح، فحيث كان وجوده مقدما على وجودها ناسب أن يكون ذكره أيضا كذلك ليطابق الذكر الوجود، على أنه قد جاء في بعض روايات حديث وحجوا بيت ربكم السابق تقديم الصوم على الزكاة، ولكن رجحت الرواية السابقة التي فيها ابن عمر وتقديم الصوم على الحج؛ لمطابقتها بما في القرآن . تقديم الزكاة على الصوم
قال الله تعالى: والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات على أن المراد بالصابرين والصابرات: الصائمون والصائمات؛ ولذا اتفق أكثر العلماء على تقديم الصوم على الحج، وهو الواقع في أكثر الأحاديث الصحيحة، ولأن الصوم مفرد والحج مركب، المفرد مقدم على المركب في الوجود، فناسب في الذكر ليتطابقا، ولما كان الصوم من أشق التكاليف على النفوس اقتضت الحكمة الإلهية أن يبدأ بالأخف، وهو الصلاة؛ تمرينا للمكلف ورياضة له، ثم يثنى بالوسط، وهو الزكاة، ويثلث بالأشق، وهو الصوم، وإليه وقعت الإشارة في الآية المذكورة، وفي حديث: بني الإسلام؛ فاعرف ذلك .
عقب الزكاة بالصوم اقتداء بالقرآن وعملا بالحديث المشهور: فإنه قدم الزكاة فيه على الصوم، والصوم على الحج. وهي رواية بني الإسلام على خمس؛ ابن عمرو، على هذا عمل أكثر الفقهاء من أرباب المذاهب المتبوعة، وذكر الإمام محمد بن الحسن [ ص: 187 ] في الجامعين الكبير والصغير: الصوم عقيب الصلاة. واختاره في فتاويه؛ لأن كلا منهما عبادة بدنية؛ إذ هو ترك الأعمال البدنية، أعني الأكل والشرب والجماع، وقد جاء في بعض الأخبار هكذا. وذلك فيما رواه قاضي خان وصححه الترمذي الحاكم من طريق وابن حبان سليم بن عامر، قال: سمعت يقول: أبا أمامة وأخرجه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول: اتقوا الله، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم؛ تدخلوا جنة ربكم. في مسند الشاميين من حديث الطبراني أبي الدراء، وفيه: بدل: وأطيعوا ذا أمركم؛ ولأن وجود الصوم مقدم على وجود الزكاة؛ لأنه افترض قبلها على الصحيح، فحيث كان وجوده مقدما على وجودها ناسب أن يكون ذكره أيضا كذلك ليطابق الذكر الوجود، على أنه قد جاء في بعض روايات حديث وحجوا بيت ربكم السابق تقديم الصوم على الزكاة، ولكن رجحت الرواية السابقة التي فيها ابن عمر وتقديم الصوم على الحج؛ لمطابقتها بما في القرآن . تقديم الزكاة على الصوم
قال الله تعالى: والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات على أن المراد بالصابرين والصابرات: الصائمون والصائمات؛ ولذا اتفق أكثر العلماء على تقديم الصوم على الحج، وهو الواقع في أكثر الأحاديث الصحيحة، ولأن الصوم مفرد والحج مركب، المفرد مقدم على المركب في الوجود، فناسب في الذكر ليتطابقا، ولما كان الصوم من أشق التكاليف على النفوس اقتضت الحكمة الإلهية أن يبدأ بالأخف، وهو الصلاة؛ تمرينا للمكلف ورياضة له، ثم يثنى بالوسط، وهو الزكاة، ويثلث بالأشق، وهو الصوم، وإليه وقعت الإشارة في الآية المذكورة، وفي حديث: بني الإسلام؛ فاعرف ذلك .