الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3590 ) فصل : وإذا ادعى الضامن أنه قضى الدين ، فأنكر المضمون له ، ولا بينة له ، فالقول قول المضمون له ; لأنه ادعى تسليم المال إلى من لم يأمنه ، فكان القول قول المنكر ، وله مطالبة من شاء منهما ، فإن رجع على المضمون عنه ، فهل يرجع الضامن بما قضاه عنه ؟ نظرنا ; فإن لم يعترف له بالقضاء ، لم يرجع عليه ، وإن اعترف له بالقضاء ، وكان قد قضى بغير بينة في غيبة المضمون عنه ، لم يرجع بشيء ، سواء صدقه المضمون عنه أو [ ص: 356 ] كذبه ; لأنه أذن له في قضاء مبرئ ولم يوجد ، وإن قضاه ببينة ، ثبت بها الحق ، لكن إن كانت ميتة أو غائبة فللضامن الرجوع على المضمون عنه ; لأنه معترف أنه ما قصر ولا فرط .

                                                                                                                                            وإن قضاه ببينة مردودة بأمر ظاهر ، كالكفر والفسق الظاهر ، لم يرجع الضامن لتفريطه ; لأن هذه البينة كعدمها ، وإن ردت بأمر خفي ، كالفسق الباطن ، أو كانت الشهادة مختلفا فيها ، مثل أن أشهد عبدين ، أو شاهدا واحدا ، فردت لذلك ، أو كان ميتا أو غائبا ، احتمل أن يرجع ; لأنه قضى ببينة شرعية ، والجرح والتعديل ليس إليه . واحتمل أن لا يرجع ; لأنه أشهد من لا يثبت الحق بشهادته .

                                                                                                                                            وإن قضى بغير بينة بحضرة المضمون عنه ، ففيه وجهان ; أحدهما ، يرجع . وهو مذهب الشافعي ; لأنه إذا كان حاضرا كان الاحتياط إليه ، فإذا ترك التحفظ وهو حاضر ، فهو المفرط دون الضامن . والثاني ، لا يرجع ; لأنه قضى قضاء لا يبرئ ، فأشبه ما لو قضى في غيبته . فأما إن رجع المضمون له على الضامن ، فاستوفي منه مرة ثانية ، رجع على المضمون عنه بما قضاه ثانيا ; لأنه أبرأ به ذمته ظاهرا . قال القاضي : ويحتمل أن له الرجوع بما قضاه أولا دون الثاني ; لأن البراءة حصلت به في الباطن . ولأصحاب الشافعي كهذين الوجهين وجه ثالث ، أنه لا يرجع بشيء بحال ; لأن الأول ما أبرأه ظاهرا ، والثاني ما أبرأه باطنا .

                                                                                                                                            ولنا ، أن الضامن أدى عن المضمون عنه بإذنه إذا أبرأه ظاهرا وباطنا فرجع به ، كما لو قامت به البينة . والوجه الأول أرجح ; لأن القضاء المبرئ في الباطن ما أوجب الرجوع ، فيجب أن يجب بالباقي المبرئ في الظاهر .

                                                                                                                                            وإن اعترف المضمون له بالقضاء ، وأنكر المضمون عنه ، لم يلتفت إلى إنكاره ; لأن ما في ذمته حق للمضمون له ، فإذا اعترف بالقبض من الضامن ، فقد اعترف بأن الحق الذي له صار للضامن ، فيجب أن يقبل إقراره ، لكونه إقرارا في حق نفسه . ويحتمل أن لا يقبل ; لأن الضامن مدع لما يستحق به الرجوع على المضمون عنه ، فقول المضمون له شهادة على فعل نفسه ، فلا يقبل . والصحيح الأول ، وشهادة الإنسان على فعل نفسه صحيحة ، كشهادة المرضعة بالرضاع ، وقد ثبت ذلك بخبر عقبة بن الحارث .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية