الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل .

زوج المجاز بالتشبيه ، فتولد بينهما الاستعارة ، فهي مجاز علاقته المشابهة . أو يقال في تعريفها : اللفظ المستعمل فيما شبه بمعناه الأصلي .

والأصح أنها مجاز لغوي لأنها موضوعة للمشبه به لا للمشبه ، ولا الأعم منهما ، فأسد في قولك : رأيت أسدا يرمي ، موضوع للسبع لا للشجاع ، ولا لمعنى أعم منهما ، كالحيوان الجريء مثلا ليكون إطلاقه عليهما حقيقة كإطلاق الحيوان عليهما .

وقيل : مجاز عقلي بمعنى أن التصرف فيها في أمر عقلي لا لغوي لأنها لا تطلق [ ص: 51 ] على المشبه إلا بعد ادعاء دخوله في جنس المشبه به ، فكان استعمالها فيما وضعت له ، فيكون حقيقة لغوية ، ليس فيها غير نقل الاسم وحده ، وليس نقل الاسم المجرد استعارة ; لأنه لا بلاغة فيه بدليل الأعلام المنقولة ، فلم يبق إلا أن يكون مجازا عقليا .

وقال بعضهم : حقيقة الاستعارة أن تستعار الكلمة من شيء معروف بها إلى شيء لم يعرف بها ، وحكمة ذلك إظهار الخفي وإيضاح الظاهر الذي ليس بجلي ، أو حصول المبالغة أو المجموع .

مثال إظهار الخفي : وإنه في أم الكتاب [ الزخرف : 4 ] ، فإن حقيقته : وأنه في أصل الكتاب ، فاستعير لفظ الأم للأصل ؛ لأن الأولاد تنشأ من الأم كإنشاء الفروع من الأصول ، وحكمة ذلك تمثيل ما ليس بمرئي حتى يصير مرئيا ، فينتقل السامع من حد السماع إلى حد العيان ، وذلك أبلغ في البيان .

ومثال إيضاح ما ليس بجلي ليصير جليا واخفض لهما جناح الذل [ الإسراء : 24 ] ، فإن المراد أمر الولد بالذل لوالديه رحمة فاستعير للذل أولا ( جانب ) ثم للجانب جناح ، وتقدير الاستعارة القريبة : ( واخفض لهما جانب الذل ) أي : اخفض جانبك ذلا .

وحكمة الاستعارة في هذا جعل ما ليس بمرئي مرئيا لأجل حسن البيان ، ولما كان المراد خفض جانب الولد للوالدين بحيث لا يبقي الولد من الذل لهما والاستكانة ممكنا احتيج في الاستعارة إلى ما هو أبلغ من الأولى فاستعير لفظ الجناح لما فيه من المعاني التي لا تحصل من خفض الجانب ; لأن من يميل جانبه إلى جهة السفل أدنى ميل ، صدق عليه أنه خفض جانبه ، والمراد خفض يلصق الجانب بالأرض ولا يحصل ذلك إلا بذكر الجناح كالطائر .

ومثال المبالغة وفجرنا الأرض عيونا [ القمر : 12 ] ، وحقيقته : ( وفجرنا عيون الأرض ) ، ولو عبر بذلك لم يكن فيه من المبالغة ما في الأول المشعر بأن الأرض كلها صارت عيونا .

التالي السابق


الخدمات العلمية