الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة [ في القراءة الشاذة ]

                                                      حقيقة الشاذ لغة : المنفرد . وفي الاصطلاح عكس المتواتر ، وقد سبق أن المتواتر قراءة ساعدها خط المصحف مع صحة النقل فيها ومجيئها على الفصيح من لغة العرب . قال الشيخ أبو شامة : فمتى اختل أحد هذه الأركان الثلاثة أطلق على تلك القراءة أنها شاذة . قال : وقد أشار إلى ذلك جماعة من الأئمة المتقدمين ونص عليه أبو محمد مكي بن أبي طالب القيرواني . ذكره شيخنا أبو الحسن السخاوي في كتاب جمال القراء " . [ ص: 220 ] ثم الكلام في مواضع :

                                                      أحدها : بالنسبة إلى المراد بها والمعروف أنها ما وراء السبع ، والصواب : ما وراء العشر ، وهي ثلاثة أخر : يعقوب وخلف وأبو جعفر يزيد بن القعقاع ، فالقول بأن هذه الثلاثة غير متواترة ضعيف جدا ، وقد ذكر البغوي في تفسيره " الإجماع على جواز القراءة بها .

                                                      وقال القاضي أبو بكر بن العربي في العواصم : ضبط الأمر على سبع قراءات ليس له أصل في الشرع ، وقد جمع قوم ثماني قراءات ، وقوم عشرا ، أصل ذلك أنه صلى الله عليه وسلم ، قال : { أنزل القرآن على سبع أحرف } فظن قوم أنها سبع قراءات وهذا باطل ، وتيمن آخرون بهذا اللفظ فجمعوا سبع قراءات . وبعد أن ضبط الله الحروف والسور ، فلا مبالاة بهذه التكليفات . وسبق عنه أن قراءة أبي جعفر ثابتة لا كلام فيها . ا هـ .

                                                      الثاني : بالنسبة إلى القراءة بها .

                                                      قال الشيخ أبو الحسن السخاوي : ولا تجوز القراءة بشيء من الشواذ لخروجها عن إجماع المسلمين وعن الوجه الذي ثبت به القرآن ، وهو المتواتر وإن كان موافقا للعربية وخط المصحف ، لأنه جاء من طريق الآحاد ، إن كانت نقلته ثقات .

                                                      قال أبو شامة : والشأن في الضبط ما تواتر من ذلك وما اجتمع عليه ، ونقل الشاشي في المستظهري " عن القاضي الحسين أن الصلاة بالقراءة الشاذة لا تصح ، وقال النووي في فتاويه " : تحرم .

                                                      الثالث : في الاحتجاج بها في الأحكام وتنزيلها منزلة الخبر . اعلم أن الآمدي نسب القول بأنها ليست بحجة إلى الشافعي . وكذا ادعى [ ص: 221 ] الإبياري في شرح البرهان " أنه المشهور من مذهب مالك والشافعي وتبعه ابن الحاجب وكذلك النووي ، فقال في شرح مسلم " مذهبنا : أن القراءة الشاذة لا يحتج بها ، ولا يكون لها حكم الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن ناقلها لم ينقلها إلا على أنها قرآن ، والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر ، وإذا لم يثبت قرآنا لم يثبت خبرا ، والموقع لهم في ذلك دعوى إمام الحرمين في البرهان " : أن ذلك ظاهر مذهب الشافعي ، وتبعه أبو نصر بن القشيري والغزالي في المنخول " وإلكيا الطبري في التلويح " ، وابن السمعاني في القواطع " وغيرهم ، فقال إلكيا : القراءة الشاذة مردودة لا يجوز إثباتها في المصحف ، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء .

                                                      قال : وأما إيجاب أبي حنيفة التتابع في صوم كفارة اليمين لأجل قراءة ابن مسعود ، فليس على تقدير أنه أثبت نظمه من القرآن ، ولكن أمكن أنه كان من القرآن في قديم الزمان ، ثم نسخت تلاوته ، فاندرس مشهور رسمه فنقل آحادا ، والحكم باق ، وهذا لا يستنكر في العرف .

                                                      قال : والشافعي لا يرد على أبي حنيفة اشتراط التتابع على أحد القولين من هذه الجهة ، ولكنه يقول : لعل ما زاده ابن مسعود تفسيرا منه ، ومذهبا رآه ، فلا بعد في تقديره ، ولم يصرح بإسناده إلى القرآن . فإن قالوا : لا يجوز ضم القرآن إلى غيره ، فكذلك لا يجوز ضم ما نسخت تلاوته إلى القرآن تلاوة . وهذا قد يدل من وجهة على بطلان نقل هذه القراءة عن ابن مسعود ، فإنا على أحد الوجهين نبعد قراءة ما ليس من القرآن مع القرآن .

                                                      وقال : والدليل القاطع على إبطال نسبة القراءات الشاذة إلى القرآن أن [ ص: 222 ] الاهتمام بالقرآن من الصحابة الذين بذلوا أرواحهم في إحياء معالم الدين يمنع تقدير دروسه وارتباط نقله بالآحاد .

                                                      قلت : وذكر أبو بكر الرازي في كتابه أنهم إنما عملوا بقراءة ابن مسعود لاستفاضتها وشهرتها عندهم في ذلك العصر ، وإن كان ، إنما نقلت إلينا الآن بطريق الآحاد ، لأن الناس تركوا القراءة بها ، واقتصروا على غيرها ، وكلامنا إنما هو في أصول القوم . ا هـ . وذكر أبو زيد في الأسرار " وصاحب المبسوط " من الحنفية اشتراط الشهرة في القراءة عند السلف ، ولهذا لم يعملوا بقراءة أبي بن كعب ، " فعدة من أيام أخر متتابعة " لأنها قراءة شاذة غير مشهورة ، وبمثلها لا يثبت الزيادة على النص ، فأما قراءة ابن مسعود فقد كانت مشهورة في زمن أبي حنيفة حتى كان الأعمش يقرأ ختما على حرف ابن مسعود ، وختما من مصحف عثمان ، والزيادة عندنا تثبت بالخبر المشهور . ا هـ .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية