الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( كتاب العارية )

                                                                                                                                الكلام في هذا الكتاب يقع في مواضع : في بيان ركن العارية ، وفي بيان شرائط الركن ، وفي بيان حكم العقد ، وفي بيان ما يملكه المستعير من التصرف في المستعار وما لا يملكه ، وفي بيان صفة الحكم ، وفي بيان حال المستعار ، وفي بيان ما يوجب تغير حاله أما ركنها : فهو الإيجاب من المعير ، وأما القبول من المستعير فليس بركن عند أصحابنا الثلاثة استحسانا ، والقياس أن يكون ركنا وهو قول زفر ، كما في الهبة ، حتى أن من حلف لا يعير فلانا فأعاره ولم يقبل يحنث كما إذا حلف لا يهب فلانا شيئا فوهبه ولم يقبل ، وهي مسألة كتاب الهبة والإيجاب هو أن يقول : أعرتك هذا الشيء ، أو منحتك هذا الثوب أو هذه الدار ، أو أطعمتك هذه الأرض أو هذه الأرض لك طعمة ، أو أخدمتك هذا العبد أو هذا العبد لك خدمة ، أو حملتك على هذه الدابة إذا لم ينو به الهبة أو داري سكنى أو داري لك عمرى سكنى أما لفظ الإعارة فصريح في بابها .

                                                                                                                                وأما المنحة فهي اسم للعطية التي ينتفع الإنسان بها زمانا ثم يردها على صاحبها ، وهو معنى العارية ، قال النبي عليه الصلاة والسلام : { المنحة مردودة ومنحة الأرض زراعتها } قال النبي عليه الصلاة والسلام : { ازرعها أو امنحها أخاك } وكذا الإطعام المضاف إلى الأرض ، هو إطعام منافعها التي تحصل منها بالزراعة من غير عوض عرفا وعادة ، وهو معنى العارية .

                                                                                                                                وأما إخدام العبد إياه فجعل خدمته بغير عوض ، وهو تفسير العارية ، وكذا قوله : داري لك سكنى أو عمري سكنى ، هو جعل سكنى الدار له من غير عوض ، وسكنى الدار منفعتها المطلوبة منها عادة ، فقد أتى بمعنى الإعارة ، وأما قوله : حملتك على هذه الدابة ، فإنه يحتمل الإعارة والهبة ، فأي ذلك نوى فهو على ما نوى ; لأنه نوى ما يحتمل لفظه ، وعند الإطلاق ينصرف إلى العارية ; لأنها أدنى فكان الحمل عليها أولى .

                                                                                                                                ولو قال : داري لك رقبى أو حبس ، فهو عارية عند أبي حنيفة ومحمد ، وعند أبي يوسف هبة ، وقوله رقبى أو حبس باطل وهي مسألة كتاب الهبة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية