قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون .
فيه أربع مسائل : الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=29010قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42الله يتوفى الأنفس حين موتها أي يقبضها عند فناء آجالها
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42والتي لم تمت في منامها اختلف فيه . فقيل : يقبضها عن التصرف مع بقاء أرواحها في أجسادها " فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى " وهي النائمة فيطلقها بالتصرف إلى أجل موتها ، قال
ابن عيسى . وقال
الفراء : المعنى ويقبض التي لم تمت في منامها عند انقضاء أجلها . قال : وقد يكون توفيها نومها ، فيكون التقدير على هذا : والتي لم تمت وفاتها نومها . وقال
ابن عباس وغيره من المفسرين : إن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فتتعارف ما شاء الله منها ، فإذا أراد جميعها الرجوع إلى الأجساد أمسك الله أرواح الأموات عنده ، وأرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها . وقال
سعيد بن جبير : إن الله يقبض أرواح الأموات إذا ماتوا ، وأرواح الأحياء إذا ناموا ، فتتعارف ما شاء الله أن تتعارف ، فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى أي : يعيدها . قال
علي - رضي الله عنه - : فما رأته نفس النائم وهي في السماء قبل إرسالها إلى جسدها فهي الرؤيا الصادقة ، وما رأته بعد إرسالها وقبل استقرارها في جسدها تلقيها الشياطين ، وتخيل إليها الأباطيل فهي الرؤيا الكاذبة . وقال
ابن زيد : النوم وفاة ، والموت وفاة . وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
كما تنامون فكذلك تموتون ، وكما توقظون فكذلك تبعثون . وقال
عمر : النوم أخو الموت . وروي مرفوعا من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله nindex.php?page=hadith&LINKID=864918قيل : يا رسول الله ، أينام أهل الجنة ؟ قال : لا ، النوم أخو الموت ، والجنة لا موت فيها خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني . وقال
ابن عباس : ( في ابن
آدم نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس ، فالنفس التي بها العقل والتمييز ، والروح التي بها النفس والتحريك ، فإذا نام العبد قبض الله نفسه ولم يقبض
[ ص: 233 ] روحه ) . وهذا قول
ابن الأنباري والزجاج . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12851القشيري أبو نصر : وفي هذا بعد ، إذ المفهوم من الآية أن النفس المقبوضة في الحال شيء واحد ، ولهذا قال : " فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى " فإذا يقبض الله الروح في حالين في حالة النوم وحالة الموت ، فما قبضه في حال النوم فمعناه أنه يغمره بما يحبسه عن التصرف فكأنه شيء مقبوض ، وما قبضه في حال الموت فهو يمسكه ولا يرسله إلى يوم القيامة . وقوله : ويرسل الأخرى أي : يزيل الحابس عنه فيعود كما كان . فتوفي الأنفس في حال النوم بإزالة الحس وخلق الغفلة والآفة في محل الإدراك . وتوفيها في حالة الموت بخلق الموت وإزالة الحس بالكلية . فيمسك التي قضى عليها الموت بألا يخلق فيها الإدراك ، كيف وقد خلق فيها الموت ؟ ويرسل الأخرى بأن يعيد إليها الإحساس .
الثانية : وقد اختلف الناس من هذه الآية في
nindex.php?page=treesubj&link=32886النفس والروح ، هل هما شيء واحد أو شيئان على ما ذكرنا . والأظهر أنهما شيء واحد ، وهو الذي تدل عليه الآثار الصحاح على ما نذكره في هذا الباب . من ذلك حديث
أم سلمة قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831055دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ، ثم قال : إن الروح إذا قبض تبعه البصر وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831056ألم تروا الإنسان إذا مات شخص بصره قال : فذلك حين يتبع بصره نفسه . خرجهما
مسلم . وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831057تحضر الملائكة فإذا كان الرجل صالحا قالوا : اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ، اخرجي حميدة ، وأبشري بروح وريحان ورب راض غير غضبان ، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ، ثم يعرج بها إلى السماء . . . وذكر الحديث وإسناده صحيح . خرجه
ابن ماجه ، وقد ذكرناه في التذكرة . وفي صحيح
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831058إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدان بها . . . . وذكر الحديث . وقال
بلال في حديث الوادي : أخذ بنفسي يا رسول الله الذي أخذ بنفسك .
[ ص: 234 ] وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقابلا له في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم في حديث الوادي :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831059يا أيها الناس إن الله قبض أرواحنا ، ولو شاء ردها إلينا في حين غير هذا .
الثالثة : والصحيح فيه أنه
nindex.php?page=treesubj&link=32886جسم لطيف مشابك للأجسام المحسوسة ، يجذب ويخرج وفي أكفانه يلف ويدرج ، وبه إلى السماء يعرج ، لا يموت ولا يفنى ، وهو مما له أول وليس له آخر ، وهو بعينين ويدين ، وأنه ذو ريح طيبة وخبيثة ، كما في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة . وهذه صفة الأجسام لا صفة الأعراض ، وقد ذكرنا الأخبار بهذا كله في كتاب التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=83فلولا إذا بلغت الحلقوم يعني النفس إلى خروجها من الجسد ، وهذه صفة الجسم . والله أعلم .
الرابعة : خرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831060إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليأخذ داخلة إزاره فلينفض بها فراشه ، وليسم الله ، فإنه لا يعلم ما خلفه بعده على فراشه ، فإذا أراد أن يضطجع فليضطجع على شقه الأيمن وليقل : سبحانك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه ، إن أمسكت نفسي فاغفر لها - وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي : فارحمها بدل فاغفر لها - وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين . زاد
الترمذي nindex.php?page=hadith&LINKID=831061وإذا استيقظ فليقل : الحمد لله الذي عافاني في جسدي ، ورد علي روحي ، وأذن لي بذكره . وخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
حذيفة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831062كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ، ثم يقول : اللهم باسمك أموت وأحيا ، وإذا استيقظ قال : الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42فيمسك التي قضى عليها الموت هذه قراءة العامة على أنه مسمى
[ ص: 235 ] الفاعل " الموت " نصبا ، أي : قضى الله عليها ، وهو اختيار
أبي حاتم وأبي عبيد ، لقوله في أول الآية :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42الله يتوفى الأنفس فهو يقضي عليها . وقرأ
الأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي " قضي عليها الموت " على ما لم يسم فاعله .
النحاس ، والمعنى واحد ، غير أن القراءة الأولى أبين وأشبه بنسق الكلام ; لأنهم قد أجمعوا على " ويرسل " ولم يقرأوا " ويرسل " . وفي الآية تنبيه على عظيم قدرته وانفراده بالألوهية ، وأنه يفعل ما يشاء ، ويحيي ويميت ، لا يقدر على ذلك سواه .
إن في ذلك لآيات يعني في قبض الله نفس الميت والنائم ، وإرساله نفس النائم ، وحبسه نفس الميت " لقوم يتفكرون " . وقال
الأصمعي سمعت
معتمرا يقول : روح الإنسان مثل كبة الغزل ، فترسل الروح ، فيمضي ثم تمضي ثم تطوى فتجيء فتدخل ، فمعنى الآية : أنه يرسل من الروح شيء في حال النوم ومعظمها في البدن متصل بما يخرج منها اتصالا خفيا ، فإذا استيقظ المرء جذب معظم روحه ما انبسط منها فعاد . وقيل : غير هذا ، وفي التنزيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=85ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي أي : لا يعلم حقيقته إلا الله . وقد تقدم في [ سبحان ] .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ .
فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ : الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=29010قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا أَيْ يَقْبِضُهَا عِنْدَ فَنَاءِ آجَالِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا اخْتُلِفَ فِيهِ . فَقِيلَ : يَقْبِضُهَا عَنِ التَّصَرُّفِ مَعَ بَقَاءِ أَرْوَاحِهَا فِي أَجْسَادِهَا " فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى " وَهِيَ النَّائِمَةُ فَيُطْلِقُهَا بِالتَّصَرُّفِ إِلَى أَجَلِ مَوْتِهَا ، قَالَ
ابْنُ عِيسَى . وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : الْمَعْنَى وَيَقْبِضُ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا عِنْدَ انْقِضَاءِ أَجَلِهَا . قَالَ : وَقَدْ يَكُونُ تَوَفِّيهَا نَوْمَهَا ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ عَلَى هَذَا : وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ وَفَاتُهَا نَوْمُهَا . وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّ أَرْوَاحَ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ تَلْتَقِي فِي الْمَنَامِ فَتَتَعَارَفُ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْهَا ، فَإِذَا أَرَادَ جَمِيعُهَا الرُّجُوعَ إِلَى الْأَجْسَادِ أَمْسَكَ اللَّهُ أَرْوَاحَ الْأَمْوَاتِ عِنْدَهُ ، وَأَرْسَلَ أَرْوَاحَ الْأَحْيَاءِ إِلَى أَجْسَادِهَا . وَقَالَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : إِنَّ اللَّهَ يَقْبِضُ أَرْوَاحَ الْأَمْوَاتِ إِذَا مَاتُوا ، وَأَرْوَاحَ الْأَحْيَاءِ إِذَا نَامُوا ، فَتَتَعَارَفُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَتَعَارَفَ ، فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى أَيْ : يُعِيدُهَا . قَالَ
عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : فَمَا رَأَتْهُ نَفْسُ النَّائِمِ وَهِيَ فِي السَّمَاءِ قَبْلَ إِرْسَالِهَا إِلَى جَسَدِهَا فَهِيَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ ، وَمَا رَأَتْهُ بَعْدَ إِرْسَالِهَا وَقَبْلَ اسْتِقْرَارِهَا فِي جَسَدِهَا تُلْقِيهَا الشَّيَاطِينُ ، وَتُخَيِّلُ إِلَيْهَا الْأَبَاطِيلَ فَهِيَ الرُّؤْيَا الْكَاذِبَةُ . وَقَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : النَّوْمُ وَفَاةٌ ، وَالْمَوْتُ وَفَاةٌ . وَعَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
كَمَا تَنَامُونَ فَكَذَلِكَ تَمُوتُونَ ، وَكَمَا تُوقَظُونَ فَكَذَلِكَ تُبْعَثُونَ . وَقَالَ
عُمَرُ : النَّوْمُ أَخُو الْمَوْتِ . وَرُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ nindex.php?page=hadith&LINKID=864918قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيَنَامُ أَهْلُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : لَا ، النَّوْمُ أَخُو الْمَوْتِ ، وَالْجَنَّةُ لَا مَوْتَ فِيهَا خَرَّجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدَّارَقُطْنِيُّ . وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : ( فِي ابْنِ
آدَمَ نَفْسٌ وَرُوحٌ بَيْنَهُمَا مِثْلُ شُعَاعِ الشَّمْسِ ، فَالنَّفْسُ الَّتِي بِهَا الْعَقْلُ وَالتَّمْيِيزُ ، وَالرُّوحُ الَّتِي بِهَا النَّفَسُ وَالتَّحْرِيكُ ، فَإِذَا نَامَ الْعَبْدُ قَبَضَ اللَّهُ نَفْسَهُ وَلَمْ يَقْبِضْ
[ ص: 233 ] رُوحَهُ ) . وَهَذَا قَوْلُ
ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ وَالزَّجَّاجِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12851الْقُشَيْرِيُّ أَبُو نَصْرٍ : وَفِي هَذَا بُعْدٌ ، إِذِ الْمَفْهُومُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ النَّفْسَ الْمَقْبُوضَةَ فِي الْحَالِ شَيْءٌ وَاحِدٌ ، وَلِهَذَا قَالَ : " فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى " فَإِذًا يَقْبِضُ اللَّهُ الرُّوحَ فِي حَالَيْنِ فِي حَالَةِ النَّوْمِ وَحَالَةِ الْمَوْتِ ، فَمَا قَبَضَهُ فِي حَالِ النَّوْمِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَغْمُرُهُ بِمَا يَحْبِسُهُ عَنِ التَّصَرُّفِ فَكَأَنَّهُ شَيْءٌ مَقْبُوضٌ ، وَمَا قَبَضَهُ فِي حَالِ الْمَوْتِ فَهُوَ يُمْسِكُهُ وَلَا يُرْسِلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَقَوْلُهُ : وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى أَيْ : يُزِيلُ الْحَابِسَ عَنْهُ فَيَعُودُ كَمَا كَانَ . فَتَوَفِّي الْأَنْفُسِ فِي حَالِ النَّوْمِ بِإِزَالَةِ الْحِسِّ وَخَلْقِ الْغَفْلَةِ وَالْآفَةِ فِي مَحَلِّ الْإِدْرَاكِ . وَتَوَفِّيهَا فِي حَالَةِ الْمَوْتِ بِخَلْقِ الْمَوْتِ وَإِزَالَةِ الْحِسِّ بِالْكُلِّيَّةِ . فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ بِأَلَّا يَخْلُقُ فِيهَا الْإِدْرَاكَ ، كَيْفَ وَقَدْ خَلَقَ فِيهَا الْمَوْتَ ؟ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى بِأَنْ يُعِيدَ إِلَيْهَا الْإِحْسَاسَ .
الثَّانِيَةُ : وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=32886النَّفْسِ وَالرُّوحِ ، هَلْ هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ أَوْ شَيْئَانِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا . وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ ، وَهُوَ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآثَارُ الصِّحَاحُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي هَذَا الْبَابِ . مِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ
أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831055دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شُقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ وَحَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831056أَلَمْ تَرَوُا الْإِنْسَانَ إِذَا مَاتَ شَخَصَ بَصَرُهُ قَالَ : فَذَلِكَ حِينَ يَتْبَعُ بَصَرُهُ نَفْسَهُ . خَرَّجَهُمَا
مُسْلِمٌ . وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831057تَحْضُرُ الْمَلَائِكَةُ فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَالِحًا قَالُوا : اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ ، اخْرُجِي حَمِيدَةً ، وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ رَاضٍ غَيْرِ غَضْبَانَ ، فَلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ ، ثُمَّ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ . . . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ . خَرَّجَهُ
ابْنُ مَاجَهْ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي التَّذْكِرَةِ . وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831058إِذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ تَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يَصْعَدَانِ بِهَا . . . . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ . وَقَالَ
بِلَالٌ فِي حَدِيثِ الْوَادِي : أَخَذَ بِنَفْسِي يَا رَسُولَ اللَّهِ الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ .
[ ص: 234 ] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُقَابِلًا لَهُ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=15944زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي حَدِيثِ الْوَادِي :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831059يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا ، وَلَوْ شَاءَ رَدَّهَا إِلَيْنَا فِي حِينٍ غَيْرِ هَذَا .
الثَّالِثَةُ : وَالصَّحِيحُ فِيهِ أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=32886جِسْمٌ لَطِيفٌ مُشَابِكٌ لِلْأَجْسَامِ الْمَحْسُوسَةِ ، يُجْذَبُ وَيُخْرَجُ وَفِي أَكْفَانِهِ يُلَفُّ وَيُدْرَجُ ، وَبِهِ إِلَى السَّمَاءِ يُعْرَجُ ، لَا يَمُوتُ وَلَا يَفْنَى ، وَهُوَ مِمَّا لَهُ أَوَّلُ وَلَيْسَ لَهُ آخِرُ ، وَهُوَ بِعَيْنَيْنِ وَيَدَيْنِ ، وَأَنَّهُ ذُو رِيحٍ طَيِّبَةٍ وَخَبِيثَةٍ ، كَمَا فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ . وَهَذِهِ صِفَةُ الْأَجْسَامِ لَا صِفَةُ الْأَعْرَاضِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَخْبَارَ بِهَذَا كُلِّهِ فِي كِتَابِ التَّذْكِرَةِ بِأَحْوَالِ الْمَوْتَى وَأُمُورِ الْآخِرَةِ . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=83فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ يَعْنِي النَّفْسَ إِلَى خُرُوجِهَا مِنَ الْجَسَدِ ، وَهَذِهِ صِفَةُ الْجِسْمِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الرَّابِعَةُ : خَرَّجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831060إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَأْخُذْ دَاخِلَةَ إِزَارِهِ فَلْيَنْفُضْ بِهَا فِرَاشَهُ ، وَلِيُسَمِّ اللَّهَ ، فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا خَلَفَهُ بَعْدَهُ عَلَى فِرَاشِهِ ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَضْطَجِعَ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَلْيَقُلْ : سُبْحَانَكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا - وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=13478وَابْنُ مَاجَهْ nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ : فَارْحَمْهَا بَدَلَ فَاغْفِرْ لَهَا - وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ . زَادَ
التِّرْمِذِيُّ nindex.php?page=hadith&LINKID=831061وَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَلْيَقُلِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي ، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي ، وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ . وَخَرَّجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ عَنْ
حُذَيْفَةَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831062كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ خَدِّهِ ، ثُمَّ يَقُولُ : اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا ، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ هَذِهِ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ عَلَى أَنَّهُ مُسَمَّى
[ ص: 235 ] الْفَاعِلِ " الْمَوْتَ " نَصْبًا ، أَيْ : قَضَى اللَّهُ عَلَيْهَا ، وَهُوَ اخْتِيَارُ
أَبِي حَاتِمٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ ، لِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ فَهُوَ يَقْضِي عَلَيْهَا . وَقَرَأَ
الْأَعْمَشُ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَحَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ " قُضِيَ عَلَيْهَا الْمَوْتُ " عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ .
النَّحَّاسُ ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ ، غَيْرَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ الْأُولَى أَبْيَنُ وَأَشْبَهُ بِنَسَقِ الْكَلَامِ ; لِأَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى " وَيُرْسِلُ " وَلَمْ يَقْرَأُوا " وَيُرْسَلُ " . وَفِي الْآيَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَتِهِ وَانْفِرَادِهِ بِالْأُلُوهِيَّةِ ، وَأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ، وَيُحْيِي وَيُمِيتُ ، لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ سِوَاهُ .
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ يَعْنِي فِي قَبْضِ اللَّهِ نَفْسَ الْمَيِّتِ وَالنَّائِمِ ، وَإِرْسَالِهِ نَفْسَ النَّائِمِ ، وَحَبْسِهِ نَفْسَ الْمَيِّتِ " لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " . وَقَالَ
الْأَصْمَعِيُّ سَمِعْتُ
مُعْتَمِرًا يَقُولُ : رُوحُ الْإِنْسَانِ مِثْلُ كُبَّةِ الْغَزْلِ ، فَتُرْسَلُ الرُّوحُ ، فَيَمْضِي ثُمَّ تَمْضِي ثُمَّ تُطْوَى فَتَجِيءُ فَتَدْخُلُ ، فَمَعْنَى الْآيَةِ : أَنَّهُ يُرْسَلُ مِنَ الرُّوحِ شَيْءٌ فِي حَالِ النَّوْمِ وَمُعْظَمُهَا فِي الْبَدَنِ مُتَّصِلٌ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا اتِّصَالًا خَفِيًّا ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ الْمَرْءُ جَذَبَ مُعْظَمُ رُوحِهِ مَا انْبَسَطَ مِنْهَا فَعَادَ . وَقِيلَ : غَيْرُ هَذَا ، وَفِي التَّنْزِيلِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=85وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي أَيْ : لَا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ إِلَّا اللَّهُ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي [ سُبْحَانَ ] .