الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
تقديم

عمر عبيد حسنة

الحمد لله الذي بعث في الأميين رسولا منهم، يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ؛ فجعل الله سبحانه وتعالى بذلك البعث مهمة النبوة الأولى إخراج الأمة من الأمية.. وبين أن هـذا الإخـراج لا يتحقـق بالأمنيات والرغائب فقط، وإنما بالتربية والتعليم واكتساب الخبرة والمعرفة، هـذه سنة جارية على تاريخ النبوة الطويل،

يقول تعالى: ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ) (النساء:123) .

وحتى معرفة القراءة وحفظ الأحكام دون فقهها والعمل بها تعتبر من بعض الوجوه أماني، كما أكد ذلك قوله تعالى حكاية عن أهل الكتاب؛ ليكون ذلك عبرة لأهل الرسالة الخاتمة، فلا يقعون بعلل التدين، التي لحقت بالأمم السابقة:

( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) (البقرة:78) .

ذلك أن عملية إخراج الأمة ونهوضها وبنائها الحضاري، ومن ثـم تحقيق شهودها الحضاري، استجابة لقوله تعالى:

( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ) (البقرة:143) ،

التي هـي مهمة النبوات الأولى والآخرة، تتطلب الكثير من الإدراك والفهم والوضوح [ ص: 5 ] والإفادة من التجارب، على مستوى الذات و (الآخر) ، والقدرة على استلهام القيم ووضع الآليات والبرامج لكيفية تنـزيلها على واقع الناس. فالسبيل الوحيد والأوحد لإخراج الأمة، أو لمعادوة نهوضها وإخراجها، هـو الثقافة والتربية والتعليم، واكتساب المهارات المعرفية والسلوكية والنفسية ،

فالله تعالى يقول: ( .. يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة... ) (الجمعة:2) .

فالتلاوة والخطاب العام والجماهيري، والنقل الثقافي، مهما طرح من الآيات والدلائل والبراهين، وحقق من القناعات، فلا يغني في الحقيقة، سواء بالنسبة لطبيعته أو بالنسبة لشرائح التلقي عن التربية للشخصية والنفسية، وبناء العقلية، وتنمية المشاعر، وصقل المواهب، وتزكية النفس، وتأصيل دوافع الخير، والحيلولة دون نوازع الشر، وإكساب المهارات، والتدريب على الوظائف التي تنمي العقل من التفكير والمقارنة والقياس والاستنتاج والاستقراء، والتدريب والتعليم على المعاني الخيرة لتصبح سجية وطبعا، والارتقاء والنمو في ضوء منهج نضيج ومدروس ومتدرج، يأخذ في اعتباره العمر العقلي، والكوامن النفسية، والقدرة الذهنية، والمناخ الثقافي، والواقع الاجتماعي للمتلقي. ويأتي في مقدمة ذلك جميعه امتلاك المفتاح، وهو هـنا معرفة الكتابة والكتاب (القرآن) ، الذي يشـكل المرجعية، واكـتساب الحكمة التي تعني -فيما تعني- التوازن وضبط النسب ووضع الأمور في مواضعها؛ لأن أي [ ص: 6 ] خلل في ضبط النسب أو عدم الإحاطة بالمتلقي وظروفه وحاجاته في كل مرحلة عمرية يفسح المجال لنوازع الشر أن تغتال الشخصية:

( يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) .

إن هـدف التعليم والتربية في نهاية المطاف: الإنقاذ من الضلال، وتنمية خصائص الإنسان، وإلحاق الرحمة به:

( وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) (الجمعة:2) .

والصلاة والسلام على معلم الناس الخير، الذي كان من دعائه المأثور: ( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها ) (أخرجه مسلم ) ، الذي كانت الغاية من ابتعاثه الرحمة بالعالمين،

قال تعالى: ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) (الأنبياء:107) ،

القائل: ( إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا ) (أخرجه مسلم ) . فالعنت، والتعنت، والإرهاق، والشدة، والمشقة، والتنطع، والتشدد، والإكراه، والعجز عن تيسير المعلومة وإيصالها، وتقويمها، واختبار اكتسابها، وتحويلها إلى خبرة علمية ومهارة معرفية، تنمي العقل، وتذكي الطاقة، وترتقي بالخصائص، وتعود على التفكير بالنمو والكثير من الوسائل بالتطور والتطوير، تتحول إلى اندفاعات من الإخلاص والحماس ويجانبها الإدراك والاختصاص، وتنتهي إلى الإعاقة، وتكسب العجز، وتنمي التخلف، وتكرس الواقع الأليم: ( إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني [ ص: 7 ] معلما ميسرا ) وفي رواية: «... ( إنما بعثت معلما ) (أخرجه ابن ماجه ) وكأنه لخص مهمة النبوة الأساس في حياة الإنسان. وبعد؛ فهذا كتاب الأمة «المائة»: «الخطاب التربوي الإسلامي» للأستاذ الدكتور سعيد إسماعيل علي ، في سلسلة «كتاب الأمة» التي يصدرها مركز البحوث والدراسات في وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة قطر ، في محاولاته الثقافية والتربوية المستمرة لمعاودة إخراج الأمة، واستلهام القيم الضابطة للمسيرة، التي جاء بها الوحي، وتحريك الاجتهاد وإعمال العقل في وضع البرامج الملائمة والمدروسة لإعادة بناء النخبة، الطائفة القائمة على الحق التي لا يضرها من خالفها حتى يأتي أمر الله وهي على ذلك: ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ) (أخرجه مسلم ) ، التي تحقق خلود القيم الإسلامية والتدليل على قدرتها على الإنتاج في كل عصر وظرف وحال، التي تتمثل الإسلام في حياتها وعلاقاتها وتشكل خميرة النهوض والتجدد الفكري. ذلك أن الأزمة -فيما نرى- إنما هـي أزمة نخبة قادرة على القيادة وإثارة الاقتداء وامتلاك القدرة على الاجتهاد ووضع الأوعية الشرعية لحركة الأمة، بعيدا عن الحماس وسوء التقدير للاستطاعات والممكنات، الأمر الذي يؤدي إلى الكثير عن المعارك الغلط، وهدر الطاقات، وتقديم التضحيات في غير زمانها ومكانها، والعجز عن تحقيق الأهداف وقطف الثمرات. [ ص: 8 ] نعود إلى القول: بأن الأزمة هـي في حقيقتها أزمة نخبة وليست أزمة أمة؛ لأن الأمة في كل الظروف والأحوال والمتغيرات أثبتت انتماءها للإسلام، وولاءها لقيمه، وانحيازها لنصرته، وتقديم التضحيات الكبيرة التي قد ينتسب بعضها إلى عصور الإسلام الأولى، وهو المحرك الوحيد لاستجابتها والمكون الأساس لثقافتها، حتى أننا نستطيع القول: بأن الأمة لشدة حرصها وولائها قد تنحاز إلى من يرفع شعار الإسلام، حتى ولو لم يكن في مستواه.

ولعلنا نقول هـنا: بأن الخلل إنما يكمن أساسا في تربية وبناء النخبة، وأن الكثير ممن ارتقى منابر النخبة في التوجيه والقيادة، بما يمتلك من الحنجرة السميكة، والصوت المرتفع، والقـدرة على إثارة الحماس، وإتقان الخطاب، أو الخطب القائمة على إثارة المشاعر والحماس، على حساب إذكاء التفكير، كان سببا في الأزمات المتلاحقة وليس وسيلة للحلول الغائبة حتى ولو ادعاها.

وقد تكون المشكلة اليوم: التوهم بأن النخبة، أو أهل الحل والعقد، هـم أهل الأصوات والضجيج ومنابر الخطابة، وأن القدرة على إثارة الحماس وملء النفس بالانفعال هـي مؤهلات النخبة والريادة، بعيدا عن أهل الخبرة والاختصاص في ما يتطلبه بناء الحياة بكل جوانبها، حتى ولو ادعى الخطباء المعرفة بكل شيء، والإفتاء بكل شيء، وقد لا نغالي إذا قلنا: بأننا هـزمنا بذهنية بعض الخطباء، وانتصر أعداؤنا بالخبراء، ذلك أن بروز الخطباء، الذين لا خبرة لهم إلا بالأصوات، وغياب الفقهاء والخبراء وأهل الاختصاص هـو الذي يمثل إشكالية النهوض. [ ص: 9 ] ولا بد لنا أن نعترف هـنا، ونحن على رأس العدد «المائة» من سلسلة «كتاب الامة» أن عملية التحويل الفكري والتشكيل الثقافي، التي اخترنا المرابطة على ثغرها، لإعادة بناء النخبة، ومعاودة إخراج الأمة من جديد، عملية شاقة وعسيرة، ومن الصناعات الثقيلة حقيقة.

فهي تتطلب تخصصات ومهارات في شعب العلوم الإنسانية جميعا، إن لم نقل علم الإنسـان بشـكل عام، ولا يتسع لها عمر إنسان، ولا عقله، ولا علمه، وإنما هـي بطبعها عمل مؤسسي متكامل مسبوق برؤية تتحقق بالمرجعية الشرعية، أو رؤية شرعية، إضافة إلى رؤية فقهيه فكرية ثقافية قادرة على اسـتلهام التجربة الإسلامية التاريخية، وقادرة أيضا على تنـزيل القيم في الكتاب والسنة على واقع الناس، من خلال استطاعاتهم، ومدركة للمتغيرات والنوازل.

كما تتطلب التحقق بالمنهجية السننية لحركة الحياة والأحياء، من خلال تخصصات متنوعة مستوعبة لمرحلة القدوة، حقبة السيرة، وما تميزت به من تسديد وتصويب الوحي، ومرحلة الخلافة الراشدة، حيث انقطاع الوحي وبدء التعامل مع الأحكام باجتهادات البشر، وتحقيق خلود القيم، وتعدية الرؤية إلى النوازل الجديدة، واحتمالات الخطأ والصواب، بعيدا عن تأييد الوحي وتسديده وتصويبه. كما تتطلب امتلاك القدرة على وضع الواقع بكل استطاعاته ومكوناته وحالاته في الموقع المناسب من مسيرة السيرة والخلافة الراشدة، ليشكل هـذا [ ص: 10 ] الموقع مجال الاقتداء بعد التحقق بالرؤية الشاملة، ابتداء من الخطوات الأولى للنبوة: ( اقرأ ) ، وانتهاء بمرحلة الكمال والاكتمال:

( اليوم أكملت لكم دينكم ) (المائدة:3) ،

ذلك أن الفوضى في التعامل مع الأحكام، والعبث بعملية الاقتداء، وسوء التقدير في اختيار موقع الاقتداء، موقع بمضاعفات خطيرة، وضلال في السعي، ونحن نحسب أننا نحسن صنعا.

ونؤكد هـنا أهمية التنبه إلى أن ما ورد في الكتاب والسنة، من معرفة الوحي، يشكل قيما ومرجعية ومعيارا ومبادئ عامة، لضبط المسيرة البشرية وهدايتها، وتقويم فعلها في كل زمان ومكان؛ وأن وضع الخطط والبرامج والمناهج التربوية والدعوية، بحسب ظروف الزمان والمكان، في ضوء هـداية القيم، منوط بالعقل والاجتهاد؛ وأن هـذه البرامج والاجتهادات يجري عليها الصواب والخطأ، والمعرفة والإنكار، والقبول والرد، وأنها اجتهاد في تنـزيل قيم الإسلام على واقع الناس، في زمان معين ومشكلات معينة، وبالتالي فليسـت قيما معصـومة مقدسـة خالدة محظور نقضها أو نقدها أو حتى تركها وتجاوزها.

فالمقياس هـو قيم الكتاب والسنة، والإشكالية اليوم هـي في الخلط بين فهم واجتهاد وكلام الشارح وبين قيم الشارع، والتباس الذات بالقيمة، وتحول العصمة من القيم والمبادئ إلى الأشخاص والاجتهادات، حيث يسود جو من الإرهاب الفكري ، الإرهاب المقدس، الذي يحرم النقد والمراجعة والمقايسة والمقارنة والمناقضة. [ ص: 11 ] إضافة إلى أن الجهود الفكرية والفقهية والاجتهادية والأكاديمية، في معظمها، انصرفت إلى إثبات صحة النص وتحقيق النص والبرهنة على عظمة النص... إلخ، ولم تبذل إلا الجهود القليلة القليلة في الاجتهاد في كيفية إعمال النص في واقع الناس، وما ترك هـذا من مخاطر عزل القيم الإسلامية عن واقع الناس الحائر، وعلى أحسن الأحوال فإن الفقه والاجتهاد في معظمه اليوم تراجع إلى السير خلف المجتمعات والحكم على فعلها، وتنازل عن الريادة والسير أمام المجتمعات وبيان طريقها المستقيم، التي عليها أن تسـلكه حتى لا تضل ولا تشقى.

لقد تحول الفقه والاجتهاد من فقه مقاصد وغايات إلى فقه مخارج وكيفيات ومبررات، إن لم نقل فقه إيجاد المسوغات والحيل الشرعية لأفعال الناس المشتبهة.

وقد تكون إشكالية النهوض كامنة في كيفيات وأدوات النظر إلى قيم الكتاب والسنة، واستلهامها في التعامل مع الواقع ورؤية المستقبل، وكيفية استصحاب التجربة الحضارية التاريخية، التي جاءت استجابة عملية وسلوكة لهذه النصوص أو هـذه القيم. فالمشكلة فكرية ذهنية ثقافية تربوية، قبل أي شيء آخر، وما نراه في الواقع ما هـو إلا انعكاس وتجل لهذه الذهنية، وما لم نحدد مواطن الخلل الكامن في الذهنية الإسلامية اليوم، والمنهج التربوي، وأدوات التشكيل الثقافي، وندرك أن المشكلة ليست مشكلة قيم ولا مشكلة غياب الأنموذج، الذي جسـد هـذه القيم في حياة الناس، ولا مشـكلة منهج ومرجعـية، [ ص: 12 ] ولا مشكلة التبحر في الأحكام الفقهية التشريعية، إنما المشكلة هـي في وسائل التعامل مع هـذا المنهج. فالقرآن هـو القرآن، الذي أنـتج جـيلا بل أجـيالا؛ وهو محفوظ كما أنزل، والجهود والعزمات التي بذلت في حفظه لا يطاولها شك، بل لعلنا نقول: إن معظم الجهود العقلية والفكرية والعملية والعلمية تمحورت تاريخيا حول حماية النص ونقله حتى وصلنا كما نزل.. فلماذا لا ينتج الآن؟ ولماذا لا يتم التحويل والتغيير، ومنهج ذلك -القرآن والبيان النبوي- موجود، ومع ذلك فحالة العقم، وحالة العجز والاستنقاع الحضاري، تحيط بنا من كل جانب؟ المشكلة إذن في أدوات التوصيل وكيفيات التعامل.. المشكلة في عدم تربية العقل، الذي نيط به الاجتهاد والتنـزيل على الواقع بحسب ظروف الزمان والمكان.. وكم نحن بحاجة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن نعترف بفشلنا، أو بفشل أدواتنا في التعامل مع قيمنا، في المجالات الفكرية والفقهية والتربوية والثقافية، والواقع شاهد إدانة، ونعيد النظر بهذه الأدوات، التي لا قدسية لها، ونفتح الباب على مصراعيه للاجتهاد الفكري والحوار والمناقشة؛ وأن ندرك ونعتقد، بحيث يصبح ذلك ثقافة واعتقادا، بأن زمن الرجل الملحمة الذي يفتي في كل شيء انتهى، وأصبح الذي يدعي المعرفة في كل شيء هـو في الحقيقة لا يعرف شيئا، حتى ولو حفظ الأحكام الشرعية أو حفظ النصوص الواردة في الكتاب والسنة. [ ص: 13 ] فالمشكلة ليست مشكلة حفظ، ولا مشكلة فقر في القيم، ولا في غياب المنهج والأنموذج –كما أسلفنا- وإنما المشكلة في الاجتهاد وكيفيات التعامل والتنـزيل على الواقع، بحسب استطاعاته.. وهذه الآليات والكيفيات لا تأتي بالادعاء والأمنيات، كما هـو حالنا، وإنما تأتي بالتخصص في شعب المعرفة، وتقسيم العمل، والإحاطة بعلم الأشياء، حتى لا ننتهي إلى الكذب الفكري والثقافي على أنفسنا وعلى المسلمين، الذين نوهمهم بأننا نمتلك مفاتيح الأشياء جميعا، وأن المشكلة كامنة في (الآخر) ، في خارجنا، وبذلك يصدق فينا قوله تعالى:

( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ) (يونس:39) ،

والإحاطة بالعلم تعني التخصص في شعبه: ( ولا ينبئك مثل خبير ) (فاطر:14) ،

والخبرة فكر وتجربة، أو فكر وفعل وتمرس.

حتى في مجالات الاجتهاد، التي نتعامل فيها مع القرآن، نجد أن رؤيتنا حسيرة وناقصة ومختزلة وجزئية وما إلى ذلك، حيث اقتصر اجتهادنا غالبا، في إطار القيم، على استنباط الحكم التشريعي، واقتصرنا في النظر والاجتهاد على آيات الأحكام الشرعية وأحاديث الأحكام، ومساحتها لا تتجاوز خمسمائة آية، على أحسن الأحوال، وقد أعمل بعضهم فقهه وعقله في النسخ حتى المسخ، وتركنا ما رواء ذلك من القرآن للتلاوة والتبرك، فخرجنا من المجتمع بكل فضاءاته وآفاقه إلى بعض زواياه، وخرجنا من الحياة بمعظم جوانبها، وانحسرنا عن مجالاتها والانفعال بالرؤية القرآنية في التعامل معها.. هـذا عدا عن التكرار والنقل عن الأقدميين، وعدم القدرة على تجاوز المثال [ ص: 14 ] وتعدية الرؤية إلى مثال آخر، حتى في المجال الفقهي التشريعي، وكأن الآية الخالدة إنما جاءت لمعالجة حالة واحدة متفردة لا تتكرر، والأفقه عندنا هـو الأكثر حفظا للأحكام والأقدر على نقلها، فنحن اليوم حملة فقه في الغالب، ولسنا فقهاء؛ فالذاكرة هـي المعيار، والذكاء والتفكر والاجتهاد والاستنتاج لمشكلات الحياة قد يكون غائبا تماما، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( ... رب حامل فقه ليس بفقيه ) (أخرجه الترمذي ) .

ونحن هـنا لا نبخس الاجتهاد في مجال الحكم الشرعي قيمته ودوره، لكن المشكلة في عدم تجاوزه إلى فقه الحياة، الفقه الحضاري، فقه السنن لحركة المجتمعات، فقه السقوط والنهوض للحضارات، الفقه السياسي، الفقه التربوي، الفقه الاجتماعي، فقه الحركة التاريخية، الفقه التنموي، الفقه البيئي، فقه العلاقات الدولية، الفقه الإداري، فقه التعامل مع الأزمات الإنسانية، الفقه الإعلامي، فقه العواقب والتداعيات من خلال إبصار المقدمات، فقه الواقع، فقه الاستطاعات...

وقد يكون الخلل في عدم الإدراك الكامل للمعادلة الثقافية للموضوع، ذلك أنه من المعروف أن الإنسان هـو محل الحكم، وأن استطاعته هـي التي تقتضي التكليف، وأنه لا قيمة للحكم إذا افتقدنا المحل (الإنسان) أو افتقدنا الاستطاعة مناط التكليف، فالتبحر والامتداد بتوليد الأحكام التشريعية وعدم التوزاي أو السبق في بناء الإنسان، محل الحكم، وبناء استطاعته مناط التكليف، يفقد العمل والاجتهاد قيمته وجدواه، ويصبح عملا في فراغ. [ ص: 15 ] لذلك نقول: إن فقه بناء الإنسان، أو تنشئة الإنسان السوي، محل الحكم والخطاب، أو الفقه التربوي، هـو أولا وثانيا وثالثا.

فلقد بقي الخطاب القرآني والفعل التربوي النبوي ثلاثة عشر عاما في مكة يتمحور حول بناء الإنسان، ولم تكن مساحة الأحكام في مكة تكاد تذكر، فلما توفر الإنسان جاءت الحاجة إلى وضع الأوعية الشرعية لحركته، فكان الخطاب المدني خطاب الأحكام، إضافة إلى استمرار البناء التربوي.

والتربية والتنشئة والتزكية وبناء الإنسان هـي مهمة الرسل، قبل تقرير الأحكام، ذلك أن الأحكام في مجملها إنما شرعت لحماية الإنسان، وحماية المجتمع، وليس لإقامته وبنائه، على ما فيها من آثار تربوية وثقافية، لذلك نقول: لعل من الملفت حقا أن يبدأ الوحي بالتعليم والتربية والتزكية، حيث أعطاها ما تستحق، واختبر نتائجها قبل البدء في تقرير الأحكام.

ذلك أن تلقي الوحي، وكيفية التعامل مع معطياته، والالتزام بأحكامه، يتطلب مؤهلات وخصائص وصفات وأدوات لا يمكن الوصول إليها والحصول عليها إلا من خلال التعليم والتربية، انطلاقا من رصيد الفطرة وتطوير القابليات المركوزة في الإنسان، ولا يمكن بحال من الأحوال تجاوز التعليم والتربية في عملية التأهيل..

ولا شك أن القيم الإسلامية في الكتاب والسنة تشكل منطلقات ومرجعيات وضوابط لمسيرة التعليم والتربية، فبالقيم الإسلامية نؤهل الإنسان، وبالقيم الإسلامية يتأهل الإنسان لكيفية التعامل معها، والالتزام بأحكامها، وبدون تأهيل محل تنـزيل الأحكام (الإنسان) ، [ ص: 16 ] بالتعليم والتربية، فسوف يحصل الكثير من المجازفات والعبث بالأحكام الشرعية، وتنـزيلها على غير محالها، والخلط في آليات وكيفيات تطبيق الشريعة، أو تنـزيل الإسلام على واقع الناس وحسن التعامل معهم، من حيث هـم.

ذلك أن القيم الإسلامية تبدأ مع الناس من الحالة التي هـم عليها، وترتقي بهم من خلال تطوير استطاعاتهم، بوضع البرامج والخطط الملائمة لكل مرحلة من مراحل الترقي، وما يناسبها من الوسـائل والأحكام، وهذا لا يعني الانتقاء من الأحكام أو القيم الشرعية، ولا تقطيع الصورة وإنما يعني حسن التقدير للاستطاعات وما يناط بها من تكاليف، وما تتطلب من أحكام في كل حالة ومرحلة. ذلك أنه إذا فقدت الاستطاعة لا يرد التكليف أصلا، وقد أشرنا في كتاباتنا السابقة إلى قضية على قدر كبير من الأهمية في التعامل مع الأحكام والقيم الإسلامية، وهي أن المسلم، فردا وجماعة، دولة وأمة، إذا بذل اسـتطاعته في تنفيذ الأحكام الموازية لهذه الاستطاعة والمنوطة بها، حيث إنه لا تكليف بدون اسـتطاعة، مع إيـمانه بالقيم الإسـلامية

من قوله تعالى: ( اقرأ ) إلى قوله تعالى: ( اليوم أكملت لكم دينكم )

فقد طبق الإسلام الكامل بالنسبة لاستطاعته، وخرج من عهدة التكليف، ولو لم يستكمل جميع فروع الإسلام وأحكامه، إضافة إلى أن هـذه الأحكام تتطور صعودا وشمولا كلما ارتقت الاستطاعة وتعاظمت، وتنحسر وتتناقص كلما تدنت [ ص: 17 ] الاستطاعة وهبطت، وفي كلتا الحالتين فإن المسلم طبق الإسلام المطلوب إليه والمخاطب به في حـالته الاستطاعية، التي هـو عليها، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، مع العلم أن الإسلام بكل تشريعاته ومطالبه لا يخرج عن استطاعة الإنسان، ولذلك فيمكن للإنسان أن يطور استطاعته، ويترقى ليصبح بإمكانه الوصول إلى حالة الكمال والاستكمال.

ولا بد أن نذكر هـنا أيضا، بأن الأحكام الشرعية المتنوعة في مجملها ومجموعها، إنما نزلت أو شرعت، لمعالجة قضايا وحالات الإنسان المتنوعة، وأن لكل حالة حكمها، ولا يمكن أن يدعي أحد على عقل أو على فقه أن كل حكم يصلح لكل حالة ولكل استطاعة، وأن التنفيذ للأحكام، مهما كانت، منوط بكل إنسان، فردا أو سلطة، فالأحكام من جانب كالأدوية، كلها أدوية، لكن لكل دواء داؤه، وبالتالي فلا يصلح كل دواء لكل داء، ذلك أن الخطأ في تنـزيل الدواء على داء قتل للمريض، ولو كان ما يتناوله يوسم بالدواء، وهكذا الأحكام الشرعية..

هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن بعض الأحكام، بأصل وضعها، أو تنـزيلها، منوطة بالسلطة المسلمة، أو بالدولة؛ لأنها تمتلك من السلطات والاستطاعات ما يمكنها من إنفاذ ذلك، كتطبيق الحدود وتنفيذ العقوبات، وإبرام المعاهدات، وإعلان الحرب والصلح والهدنة والجهاد.. وأن نصيب الفرد أو تكليفه من ذلك يتحدد بالعمل على الوصول إلى بناء سلطة مؤمنة بهذه الأحكام، تعمل على إنفاذها، وليس من مسئوليته أو تكليفه، وهو فاقد [ ص: 18 ] للاستطاعة، مناط الحكم، أن يقيم نفسه مقام الدولة أو السلطة لإنفاذ الأحكام وإيقاع العقوبات والحدود والتعزيرات على الناس، حتى ولو كانت معطلة؛ لأن ما يترتب على تنفيذها ممن ليس أهلا لها من الفوضى أكبر من تعطيلها، وبذلك تعم الفوضى والاضطراب، ويشيع العبث، وتتحول القيم والأحكام الإسلامية على يد هـذه العقول القليلة والأنظار الكليلة إلى صناعة المشكلات، بدل أن تحقق للناس الحل والأمن الاجتماعي. ولا يقل عن ذلك خطورة في التعامل مع الأحكام الشرعية عدم استيعاب مواصفات الخطاب القرآني والخطاب النبوي، والتعامل معه في ضوء الحالات المطلوب التعامل معها. ذلك أن من المعـروف أن للحرب والمعركة والجهاد خطابـها، بكل ما يتطلبه من التعبئة النفسية، وشحذ الهمم، والإغراء بالمواجهة، والتحريض عليها، والثواب الكبير لمن يقضي في سبيل ذلك، من مثل قوله تعالى:

( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة ) (التوبة:123) ،

وقولـه تعالى: ( حرض المؤمنين على القتال ) (الأنفال:65) ،

وقولـه تعالى: ( فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ) (الأنفال:12) ،

وقولـه تعالى: ( انفروا خفافا وثقالا ) (التوبة:41) ،

وقوله تعالى: ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء ... ) (آل عمران:169) ... إلخ. [ ص: 19 ] أما الخطاب في حالة الدعوة والحوار فمختلف تماما، له أدواته ومواصفاته، من مثل: ( ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) ) (النحل:125)، ومثل: ( ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ) ) (العنكبوت:46)، ومثل: ( ( يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء ... ) ) (آل عمران:64) وهكذا.. والذي لا يدرك ذلك يظنه تناقضا، أو يعمل فيه النسخ، فتنسخ آية السيف معظم آيات القرآن(!).

كما أن خطاب العقيدة له مواصفاته أيضا: ( ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ) ) (المائدة:73) إلخ.

وخطاب العهد له مواصفاته، من مثل: ( ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ) ) (الممتحنة:3).

والخطاب التربوي له مواصفاته... وهكذا.

فالخلط في مواصفات الخطاب وحالات تنـزيله، والعبث بالأحكام، دون تقدير الحالات والاستطاعات والمخاطبين، يورث المسلمين الكثير من الفتن والبلاءات، والتناقضات، والأضرار، ويفقدهم الحكمة، ويصدق فيهم قول الشاعر:


ووضع الندا في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى

[ ص: 20 ]

لذلك نعتقد أن عمليات التلاوة:

( يتلو عليهم آياته ) ،

وكيفياتها، وتجويدها؛ وعمليات التزكية والتطهير والتربية والتنشئة السليمه:

( ويزكيهم )

بمناهجها، وكيفياتها، وتطوير خطابها، بحسب العمر العقلي والنفسي والمعرفي للإنسان؛ وعمليات التعليم والتخصص واكتساب المعلومة والمعرفة، التي تزكي العقل وتمنح الخبرة والإحاطة بالأمور:

( ويعلمهم الكتاب والحكمة )

والقدرة على وضع الأمور بمواضعها، وقياسها بمقاييسها، هـذه مسئولية العمل التربوي، ومسئولية الخطاب التربوي؛ لأنه هـو الذي يؤهل ويحضر للتعامل مع الحياة والأحياء، من خلال القيم الإسلامية.

والخطاب التربوي، أو المنهج التربوي، بحسب ظروف الزمان والمكان، هـو من اجتهاد وعمل عقل الإنسان المتخصص في التربية، القادر على استلهام القيم الأساسية في الكتاب والسنة، فالقيم من عطاء الوحي، والمناهج والبرامج من عمل العقل، كما أسلفنا.

لذلك بدأ الوحي في الرسالة الخاتمة بكلمة ( اقرأ ) مفتاح الحضارة والتأهيل للنهوض وإخراج الأمة، فكانت الخطوات الأولى للوحي في التأهيل والتحضير وبناء الإيمان تربوية تعليمية تأهيلية؛ وبعد صناعة الإنسان المطلوب جاءت الأحكام والالتزامات والمهام والتكاليف ثمرة لهذه الجهود وهذا التأهيل:

( يا أيها الذين آمنوا ) افعلوا كذا وكذا.

نعود إلى القول: إن الخطاب التربوي التعليمي هـو المسئول الأول والأخير عن فشلنا وعدم قدرتنا على حسن التعامل مع قيم الكتاب والسنة، [ ص: 21 ] التي أخرجت خير أمة أخرجت للناس، فالقرآن هـو القرآن كما نزل، والسنة هـي كما وردت، والإنسان هـو الإنسان، لكن أين الخلل المفقود، الذي يحول دون التفاعل لمعاودة الإخراج للأمة من جديد؟ هـذه مسئولية الخطاب التربوي، الذي لا ينفع معه الضجيج والخطابة، وإنما ينفع له الاختصاص والخبرة والمعرفة المتراكمة، وحسن الملاحظة، والحكمة، والتدريب، والتقويم، والمراجعة، والإفادة من الحكمة حيثما كانت؛ لأنها ضالة المؤمن التي تحميه من الضلال:

( هـو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) (الجمعة:2) .

وفي نهاية المطاف قد يكون من الأهمية بمكان، ونحن نحاول معاودة إخراج الأمة، أن نؤكد أن الأمة المسلمة دون سائر الأمم والحضارات، السائد منها والبائد، تشكلت من خلال كتاب، من خلال الخطاب التربوي، وإذا كان نهوض أي أمة مرهون بتوفير ظروف وشروط ميلادها الأول، فإنه لا مخرج لنا إلا بالعودة إلى إعادة صياغة خطابنا التربوي وفق معطيات الكتاب والسنة، وتطورها، حسب المتغيرات الاجتماعية والإنسانية، لعل ذلك يشكل سبيل الخروج.

والكتاب الذي نقدمه، يعتبر إلى حد بعيد مساهمة نقدية للواقع التربوي، الذي تعيشه جامعاتنا، ومؤسساتنا، ومدارسنا، ومعاهدنا التعليمية، من أستاذ أكاديمي وباحث مخضرم، أحزنه الواقع التربوي، بحيث امتد به [ ص: 22 ]

النقد للأطروحات والرسائل العلمية في مجال العطاء الأكاديمي، والخلل الذي تعاني منه، على مستوى الفلسفة، والمنهج، والإشراف، والأداء، والجدوى، وعدم الخبرة، والتخصص، ذلك أن عدم وضوح الفلسفة التربوية، وغياب المنهج الصارم، والإشراف المتخصص، والموضوع المدروس المجدي، يؤدي إلى الكثير من التعميم، والخبط الأعشى، واختلاط الرؤية، ودخول الشأن التربوي، على خطورته ودقته، من يحسن ومن لا يحسن، حتى تحول الكثير من النشاط التربوي إلى بورصة ألقاب وعناوين لا قيمة لها؛ لأنها لم تصرف شيئا، ولم تحرك ساكنا، ولم تسهم بارتقاء أو تطور مقدور.

والخطورة، كل الخطورة، عندما يتحول من يتصدرون للحل إلى مشكلات في طريق الأمة، ويتحولون إلى طبقة كهان، يطلبون من الأمة الاعتراف بقدسـية أفكارهم، ويشـيعون جوا من الإرهاب الفكري، حتى لا ينكشف عوارها لأنها لا تحسن إلا الاستهلاك لطاقات الأمة وتبديدها.

ولا بد أن نعترف بأن التربية، بكل أبعادها ومجالاتها، هي أشبه بالوسيط الكيميائي، الذي يحدث التفاعل المطلوب، ويعيد صياغة الأمة، ويؤهلها لكيفية التعامل مع قيمها وتوظيف إمكانها الحضاري؛ وأنها المسؤول الأول عما صرنا إليه؛ وأن الكثير من الفشل والتخلف، الذي نعاني منه لمشاريعنا وأفكارنا، يتطلب عمليات نقدية شديدة، وأحيانا قاسية، لعلها تحرك الرواكد، وتصوب الخطوة، وتبني ثقافة المراجعة والمقارنة والمقايسة والحوار، ذلك أن النقد هو الروح المحركة والمصدر للحركة، وأن الناقد هو الناصح - و «الدين النصيحة»- وأنه الشريك الأساس في عملية النهوض والبناء السليم. [ ص: 23 ]

«الخطاب التربوي الإسلامي» لا يعني بحال من الأحوال الإسلام، بقيمه المعصومة في الكتاب والسنة، وإنما يعني الاجتهادات البشرية العقلية لوضع البرامج والمناهج والخطط، وتقويمها ومراجعتها، في ضوء القيم الإسلامية، وانطلاقا منها، لذلك فهو اجتهاد بشري، يجري عليه الصواب والخطأ.. وكونه اجتـهادا بشـريا لا يعـني أن يمارسـه من هـب ودب، وإنما يمارسه المتخصصون والمؤهلون.. وهو دائما قابل للنقض والنقد والإلغاء والتعديل والتطوير، ولعله أكثر المجالات حاجة إلى النقد، ونقد النقد؛ لأن المنهج الراكد في العالم المتغير مشكلاته وأفكاره وإبداعاته ورؤاه، يكرس التخلف، ويسهم بتراجع الأمة وعدم إعداد أبنائها لعصرهم.

إن «الخطاب التربوي الإسلامي»، بكلمة مختصرة: منهج صناعة الإنسان -إن صح التعبير- المتغير المتطور والمتنامي، الذي يجب أن يعيش عصره المتغير بسرعة، ويتأهل لفهمه وكيفية التعامل معه.

فكيف لا يكون المنهج التربوي أو الخطاب التربوي مستجيبا لحاجات الأمة، مؤهلا لها لدخول العصر والتعامل معه، أخذا وعطاء؟ ولعل هـذا الكتاب، الكتاب «المائة» في السلسلة، يعتبر لبنة في هـذا الطريق، والمأمول أن يفتح الأبصار على الكثير من المسئوليات ومواطن الخلل.

ولعل من الأقدار الملفتة أن تبدأ سلسلة «كتاب الأمة» بكتاب ناقد للواقع الدعوي: «مشكلات في طريق الحياة الإسلامية» للشيخ محمد الغزالي ، يرحمه الله، ويكون على رأس المائة منها كتاب ناقد للواقع التربوي، بعنوان: «الخطاب التربوي الإسلامي».

ولله الأمر من قبل ومن بعد، وعند ذلك يفرح المؤمنون بنصر الله. [ ص: 24 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية