الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          باب ركني النكاح وشروطه أي النكاح . ركن الشيء جزء ماهيته وهي لا تتم بدون جزئها ، فكذا الشيء لا يتم بدون ركنه وتقدم معنى الركن والشرط ( ركناه ) أي النكاح أحدهما ( إيجاب ) أي اللفظ الصادر من الولي أو من يقوم مقامه ( بلفظ إنكاح أو ) بلفظ ( تزويج ) يعني بأن يقول أنكحتك فلانة أو زوجتكها ( و ) قول ( سيد لمن يملكها أو ) يملك ( بعضها ) وباقيها حر وتأذن هي ومعتق البعض ( أعتقتك وجعلت عتقك صداقك ونحوه ) مما يأتي مفصلا فلا يصح نكاح من يحسن العربية بغير أنكحت أو زوجت ، لأنهما اللفظان الوارد بهما القرآن قال تعالى : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } وقال { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها } وأما إيجاب السيد ب أعتقتك وجعلت عتقك صداقك ونحوه [ ص: 632 ] فلحديث أنس مرفوعا { أعتق صفية وجعل عتقها صداقها } متفق عليه . وأتي بأوضح من هذا ( وإن فتح ولي ) تاء ( زوجتك فقيل يصح ) النكاح ( مطلقا ) أي عالما كان الولي بالعربية أو جاهلا بها قادرا على النطق بضم التاء أو عاجزا عنه وأفتى به الموفق ( وقيل ) لا يصح إلا ( من جاهل ) بالعربية ( و ) من ( عاجز ) عن النطق بضم التاء ، قال في شرحه : وهذا هو الظاهر انتهى وقطع به في الإقناع .

                                                                          وفي الرعاية يصح جهلا أو عجزا وإلا احتمل وجهين .

                                                                          ( ويصح ) إيجاب بلفظ ( زوجت بضم الزاي وفتح التاء ) أي بصيغة المبني للمفعول لحصول المعنى المقصود به لا جوزتك بتقديم الجيم وسئل الشيخ تقي الدين عن رجل لم يقدر أن يقول إلا قبلت تجويزها بتقديم الجيم فأجاب بالصحة بدليل قوله جوزي طالق فإنها تطلق .

                                                                          ( و ) الركن الثاني ( قبول بلفظ قبلت ) هذا النكاح ( أو رضيت هذا النكاح أو قبلت ) فقط ( أو رضيت فقط أو تزوجتها ) .

                                                                          وفي الفروع أو رضيت به ( ويصحان ) أي إيجاب النكاح وقبوله ( من هازل وتلجئة ) لحديث { ثلاث هزلهن جد وجدهن جد الطلاق والنكاح والعتق } رواه الترمذي وعن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من نكح لاعبا أو طلق لاعبا أو أعتق لاعبا جاز } وقال عمر أربع جائزات إذا تكلم بهن : الطلاق والعتاق والنكاح والنذر وقال علي أربع لا لعب فيهن : الطلاق والعتاق والنكاح والنذر ( و ) يصحان ( بما ) أي بلفظ ( يؤدي معناهما الخاص بكل لسان ) أي لغة ( من عاجز ) عنهما بالعربية لأن ذلك في لغته نظير الإنكاح والتزويج ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ولا يصحان بما لا يؤدي معناهما الخاص كالعربي إذا عدل عن أنكحت أو زوجت إلى غيرهما .

                                                                          ( ولا يلزمه ) أي العاجز عنهما بالعربية ( تعلم ) أركانه بالعربية لأنه عقد معاوضة كالبيع بخلاف تكبير الصلاة ، ولأن القصد هنا المعنى دون اللفظ المعجز بخلاف القراءة وإن أحسن أحدهما بالعربية وحده أتى به والآخر بلغته وترجم بينهما ثقة إن لم يحسن أحدهما لسان الآخر . ولا بد من معرفة الشاهدين لفظ العاقدين و ( لا ) يصح إيجاب ولا قبول ب ( كتابة ) والإشارة مفهمة إلا من أخرس فيصحان منه بالإشارة نصا كبيعه وطلاقه وإذا صحا منه بالإشارة فالكتابة أولى لأنها بمنزلة الصريح في الطلاق والإقرار ( وإن قيل ل ) ولي ( مزوج أزوجت ) فلانة لفلان [ ص: 633 ] ( فقال نعم و ) قيل ( لمتزوج أقبلت فقال نعم صح ) النكاح ، لأن نعم جواب لقوله أزوجت وأقبلت والسؤال مضمر في الجواب معاد فيه فمعنى نعم من الولي زوجته فلانة ومعنى نعم من المتزوج قبلت هذا النكاح ولا احتمال فيه فوجب أن ينعقد به ، ولهذا كانت صريحة في الإقرار بحيث يقطع السارق بها مع أن الحدود تدرأ بالشبهات و ( لا ) يصبح نكاحا ( إن تقدم ) فيه ( قبول ) على إيجاب سواء كان بلفظ الماضي كقوله تزوجت ابنتك فيقول : زوجتكها أو الأمر فيقول : زوجني ابنتك فيقول زوجتكها لأن القبول إنما يكون للإيجاب فمتى وجد قبله لم يكن قبولا لعدم معناه كما لو تقدم بلفظ الاستفهام بخلاف البيع فإنه يصح بالمعاطاة وكل ما أدى معناه والخلع ، لأنه يصح تعليقه على شرط إذا نوى به الطلاق ( وإن تراخى ) قبول عن إيجاب ( حتى تفرقا ) من المجلس ( أو تشاغلا بما يقطعه عرفا بطل الإيجاب ) للإعراض عنه بالتفرق أو الاشتغال بدليل صحة العقد أشبه ما لو رده فإن طال الفصل بينهما ولم يتفرقا ولا تشاغلا بما يقطعه صح العقد لأن بدليل حكم المجلس حكم حالة العقد صحة القبض فيما يشترط لصحته قبضه في المجلس وثبوت الخيار في البيع فيه .

                                                                          ( ومن أوجب ) أي صدر منه إيجاب عقد ( ولو ) كان الإيجاب ( في غير نكاح ) كبيع وإجارة ( ثم جن أو أغمي عليه قبل قبول ) لما أوجبه ( بطل ) إيجابه بذلك ( ك ) بطلانه ( بموته ) أو بموت من أوجب له ، لعدم لزوم الإيجاب إذن أشبه العقود الجائزة و ( لا ) يبطل الإيجاب ( إن نام ) من أوجب عقدا قبل قبوله ، إن قبل في المجلس ، لأن النوم لا يبطل العقود الجائزة ( وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بلفظ الهبة ) دون غيره كما كان له أن يتزوج بلا مهر ، لقوله تعالى : { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي } الآية

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية