الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الرابعة : لما ضرب بنو إسرائيل الميت بتلك القطعة من البقرة قال : دمي عند فلان ; فتعين قتله ، وقد استدل مالك في رواية ابن القاسم وابن وهب عنه على صحة القول بالقسامة بقول المقتول : دمي عند فلان بهذا ، وقال مالك : هذا مما يبين أن قول الميت : دمي عند فلان مقبول ويقسم عليه .

                                                                                                                                                                                                              فإن قيل : كان هذا آية ومعجزة على يدي موسى صلى الله عليه وسلم لبني إسرائيل [ ص: 40 ] قلنا : الآية والمعجزة إنما كانت في إحياء الميت ، فلما صار حيا كان كلامه كسائر كلام الآدميين

                                                                                                                                                                                                              كلهم في القبول والرد ، وهذا فن دقيق من العلم لا يتفطن له إلا مالك .

                                                                                                                                                                                                              ولقد حققناه في كتاب المقسط في ذكر المعجزات وشروطها ، فإن قيل : فإنما قتله موسى صلى الله عليه وسلم بالآية .

                                                                                                                                                                                                              قلنا : ليس في القرآن أنه إذا أخبر وجب صدقه ، فلما أمرهم بالقسامة معه ، أو صدقه جبريل فقتله موسى بعلمه ، كما قتل النبي صلى الله عليه وسلم الحارث بن سويد ، بالمجذر بن زياد بإخبار جبريل عليه السلام له بذلك حسبما تقدم ، وهي مسألة خلاف كبرى قد بيناها في موضعها .

                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم ، وفي الموطإ ، وغيره ، { حديث حويصة ومحيصة قال فيه : فتكلم محيصة فقال : يا رسول الله ، وذكره إلى قوله : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة ، وعبد الرحمن : أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم } .

                                                                                                                                                                                                              وفي مسلم : { يحلف خمسون رجلا منكم على رجل منهم فيدفع إليكم برمته } .

                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قتل رجلا بالقسامة من بني نصر بن مالك . وقال الدارقطني : نسخة عمرو بن شعيب عن [ ص: 41 ] أبيه عن جده صحيحة ، وقد بينا ذلك في أصول الفقه ، واستبعد ذلك البخاري والشافعي وجماعة من العلماء ، قالوا : كيف يقبل قوله في الدم ، وهو لا يقبل قوله في درهم .

                                                                                                                                                                                                              وإنما تستحق بالقسامة الدية ، وقد أحكمنا الجواب والاستدلال في موضعه ، ونشير إليه الآن بوجهين : أحدهما : أن السنة هي التي تمضي وترد لا اعتراض عليها ، ولا تناقض فيها ، وقد تلونا أحاديثها .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : أنه مع أن قوله : لا يقبل في درهم قد قلتم : إن قتيل المحلة يقسم فيه على الدية ، وليس هنالك قول لأحد ، وإنما هي حالة محتملة للتأويل والحق والباطل ، إذ يجوز أن يقتله رجل ويجعله عند دار آخر ; بل هذا هو الغالب من أفعالهم ، وباقي النظر في مسائل الخلاف وشرح الحديث مستطر .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية