الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
من راءى بقراءة القرآن

أو تأكل به
أو فجر به

حدثنا محمد بن كثير ، أخبرنا سفيان ، حدثنا الأعمش ، عن خيثمة ، عن سويد بن غفلة ، قال علي ، رضي الله عنه : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان ، سفهاء الأحلام ، يقولون من خير قول البرية ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة . [ ص: 86 ]

وقد روي في موضعين آخرين ، ومسلم وأبو داود والنسائي ، من طرق عن الأعمش به ، حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم ، وصيامكم مع صيامهم ، وعملكم مع عملهم ، ويقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ينظر في النصل فلا يرى شيئا ، وينظر في القدح فلا يرى شيئا ، وينظر في الريش فلا يرى شيئا ، ويتمارى في الفوق .

ورواه في موضع آخر ، ومسلم - أيضا - والنسائي من طرق عن الزهري ، عن أبي سلمة به .

حدثنا مسدد بن مسرهد ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، عن أبي موسى ، رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالأترجة طعمها طيب وريحها طيب ، والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن ويعمل به كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها ، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كالريحانة ريحها طيب وطعمها مر ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كالحنظلة طعمها مر - أو خبيث - وريحها مر .

ورواه في موضع آخر مع بقية الجماعة من طرق ، عن قتادة به .

ومضمون هذه الأحاديث التحذير من المراءاة بتلاوة القرآن التي هي من أعظم القرب ، كما جاء في الحديث : واعلم أنك لن تتقرب إلى الله بأعظم مما خرج منه يعني : القرآن .

والمذكورون في حديث علي وأبي سعيد هم الخوارج ، وهم الذين لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، وقد قال في الرواية الأخرى : يحقر أحدكم قراءته مع قراءتهم ، وصلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم . ومع هذا أمر بقتلهم لأنهم مراءون في أعمالهم في نفس الأمر ، وإن كان بعضهم قد لا يقصد ذلك ، إلا أنهم أسسوا أعمالهم على اعتقاد غير صالح ، فكانوا في ذلك كالمذمومين في قوله : ( أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين ) [ التوبة : 109 ] ، وقد اختلف العلماء في تكفير الخوارج وتفسيقهم ورد روايتهم ، كما سيأتي [ تفصيله ] في موضعه إن شاء الله . [ ص: 87 ]

والمنافق المشبه بالريحانة التي لها الريح ظاهر وطعمها مر هو المرائي بتلاوته ، كما قال تعالى : ( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ) [ النساء : 142 ] .

ثم قال البخاري :

التالي السابق


الخدمات العلمية