الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 180 ] قالوا حديثان متناقضان .

        13 - خير القرون .

        قالوا : رويتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره ثم رويتم : إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا وأنه قال : خير أمتي القرن الذي بعثت فيه قالوا : وهذا تناقض واختلاف .

        قال أبو محمد : ونحن نقول : إنه ليس في ذلك تناقض ولا اختلاف ، لأنه أراد بقوله : إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا أن أهل الإسلام حين بدأ قليل ، وهم في آخر الزمان قليل ، إلا أنهم خيار .

        ومما يشهد لهذا ، ما رواه معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن الأوزاعي عن يحيى عن عروة بن روين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : خيار أمتي أولها وآخرها وبين ذلك ثبج أعوج ، ليس مني ولست منه والثبج : الوسط .

        [ ص: 181 ] وقد جاءت في هذا آثار ، منها : أنه ذكر آخر الزمان فقال : المتمسك منهم يومئذ بدينه كالقابض على الجمر ومنها حديث آخر ذكر فيه أن الشهيد منهم يومئذ كشهيد بدر ، وفي حديث آخر ، أنه سئل عن الغرباء فقال : الذين يحيون ما أمات الناس من سنتي وأما قوله : خير أمتي القرن الذي بعثت فيه فلسنا نشك في أن صحابته خير ممن يكون في آخر الزمان ، وأنه لا يكون لأحد من الناس مثل الفضل الذي أوتوه .

        وإنما قال : مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره على التقريب لهم من صحابته ، كما يقال : ما أدري أوجه هذا الثوب أحسن أم مؤخره ؟ ووجهه أفضل ، إلا أنك أردت التقريب منه .

        وكما تقول : ما أدري أوجه هذه المرأة أحسن أم قفاها ؟ ووجهها أحسن ، إلا أنك أردت تقريب ما بينهما في الحسن .

        ومثل هذا قوله في تهامة : إنها كبديع العسل ، لا يدرى أوله خير أم آخره . والبديع : الزق . وإذا كان العسل في زق ، ولم يختلف اختلاف اللبن في الوطب فيكون أوله خيرا من آخره ، ولكنه يتقارب فلا يكون لأوله كبير فضل على آخره .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية