الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 5066 ] القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [ 158 ] وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون .

                                                                                                                                                                                                                                      وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا أي: قربا منه. قال مجاهد : قال المشركون: الملائكة بنات الله تعالى. فقال أبو بكر رضي الله عنه: فمن أمهاتهن؟ قالوا: بنات سروات الجن. وكذا قال قتادة وابن زيد ، ثم أشار إلى أن لا نسبة تقتضي النسب بوجه ما، عدا عن استحالة ذلك عقلا، بقوله: ولقد علمت الجنة أي: المنسوب إليهم هذا النسب إنهم لمحضرون أي: في النار يوم القيامة. لكون الجنة كالجن، علما في الأغلب للفرقة الفاسقة عن أمر ربها من عالم الشياطين، أي: فالمنسوب إليهم يتبرؤون من هذه النسبة، لما يعلمون من أنفسهم أنهم من أهل السعير، لا من عالم الأرواح الطاهرة، فما بال هؤلاء المشركين يهرفون بما لا يعرفون؟ وفسر بعضهم ( الجنة )، بالملائكة المحدث عنها قبل. والضمير في ( إنهم )، للكفرة. ولعل ما ذكرناه أولى، لخلوه عن تشتيت الضمائر، ولموافقته للأغلب من استعمال الجن والجنة. وذلك فيما عدا الملائكة. وقلنا ( الأغلب ) لما سمع من إطلاق الجن في الملائكة.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الأعشى يذكر سليمان عليه السلام:


                                                                                                                                                                                                                                      وسخر من جن الملائك تسعة قياما لديه يعملون محاربا



                                                                                                                                                                                                                                      وقال الراغب : الجن يقال على وجهين: أحدهما للروحانيين المستترة عن الحواس كلها، بإزاء الإنس. فعلى هذا تدخل فيه الملائكة. وقيل: بل الجن بعض الروحانيين، وذلك أن الروحانيين ثلاثة: أخيار وهم الملائكة. وأشرار وهم الشياطين. وأوساط فيهم أخيار وأشرار، وهم الجن، ويدل على ذلك قوله تعالى: قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن إلى قوله تعالى: ومنا القاسطون انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      ورد إطلاق الجن على الملائكة العلامة الفاسي في" شرحه على ( القاموس )" فقال: تفسير الجن بالملائكة مردود; إذ خلق الملائكة من نور لا من نار كالجن. والملائكة معصومون، ولا يتناسلون ولا يتصفون بذكورة وأنوثة، بخلاف [ ص: 5067 ] الجن; ولهذا قال الجماهير: الاستثناء في قوله تعالى: { إلا إبليس } ، منقطع أو متصل. لكونه كان مغمورا فيهم، متخلقا بأخلاقهم. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      وهو يؤيد ما ذهبنا إليه، وبيت الأعشى لا يصلح حجة، لفساد مصداقه; لأن سليمان لم تسخر الملائكة لتشيد له المباني، وليس ذلك من عملهم عليهم السلام، وقد مر الكلام على ذلك في تفسير سورة { سبأ } .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية