الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 345 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( فباءوا بغضب على غضب )

قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( فباءوا بغضب على غضب ) ، فرجعت اليهود من بني إسرائيل - بعد الذي كانوا عليه من الاستنصار بمحمد صلى الله عليه وسلم والاستفتاح به ، وبعد الذي كانوا يخبرون به الناس من قبل مبعثه أنه نبي مبعوث - مرتدين على أعقابهم حين بعثه الله نبيا مرسلا فباءوا بغضب من الله استحقوه منه بكفرهم بمحمد حين بعث ، وجحودهم نبوته ، وإنكارهم إياه أن يكون هو الذي يجدون صفته في كتابهم ؛ عنادا منهم له وبغيا وحسدا له وللعرب على غضب سالف ، كان من الله عليهم قبل ذلك ، سابق غضبه الثاني ؛ لكفرهم الذي كان قبل عيسى ابن مريم ، أو لعبادتهم العجل ، أو لغير ذلك من ذنوب كانت لهم سلفت ، يستحقون بها الغضب من الله ، كما : -

1546 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة بن الفضل قال : حدثني ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، فيما روى عن سعيد بن جبير ، أو عكرمة ، عن ابن عباس : ( فباءوا بغضب على غضب ) ، فالغضب على الغضب ، غضبه عليهم فيما كانوا ضيعوا من التوراة وهي معهم ، وغضب بكفرهم بهذا النبي الذي أحدث الله إليهم .

1547 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن ، قالا حدثنا سفيان ، عن أبي بكير ، عن عكرمة : ( فباءوا بغضب على غضب ) قال : كفر بعيسى ، وكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم .

1548 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يحيى بن يمان قال : حدثنا سفيان ، [ ص: 346 ] عن أبي بكير ، عن عكرمة : ( فباءوا بغضب على غضب ) ، قال : كفرهم بعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم

1549 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن أبي بكير ، عن عكرمة مثله .

1550 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبي قال : الناس يوم القيامة على أربعة منازل : رجل كان مؤمنا بعيسى وآمن بمحمد صلى الله عليهما ، فله أجران . ورجل كان كافرا بعيسى فآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فله أجر ، ورجل كان كافرا بعيسى فكفر بمحمد ، فباء بغضب على غضب ، ورجل كان كافرا بعيسى من مشركي العرب ، فمات بكفره قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، فباء بغضب .

1551 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( فباءوا بغضب على غضب ) ، غضب الله عليهم بكفرهم بالإنجيل وبعيسى ، وغضب عليهم بكفرهم بالقرآن وبمحمد صلى الله عليه وسلم .

1552 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( فباءوا بغضب ) ، اليهود بما كان من تبديلهم التوراة قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم ، ( على غضب ) : جحودهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكفرهم بما جاء به .

1553 - حدثنا المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( فباءوا بغضب على غضب ) ، يقول : غضب الله عليهم بكفرهم بالإنجيل وعيسى ، ثم غضبه عليهم بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن .

1554 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( فباءوا بغضب على غضب ) : أما الغضب الأول ؛ فهو حين غضب الله عليهم في العجل ; وأما الغضب الثاني فغضب عليهم حين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 347 ] 1555 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج وعطاء وعبيد بن عمير قوله : ( فباءوا بغضب على غضب ) ، قال : غضب الله عليهم فيما كانوا فيه من قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم - من تبديلهم وكفرهم - ، ثم غضب عليهم في محمد صلى الله عليه وسلم - إذ خرج ، فكفروا به .

قال أبو جعفر : وقد بينا معنى "الغضب " من الله على من غضب عليه من خلقه - واختلاف المختلفين في صفته - فيما مضى من كتابنا هذا ، بما أغنى عن إعادته .

التالي السابق


الخدمات العلمية