الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ؛ وصفهم الله بأن بعضهم متحنن على بعض؛ وأن عليهم السكينة والوقار؛ وبعضهم يخلص المودة لبعض؛ وهم أشداء على الكفار؛ "أشداء": جمع "شديد"؛ والأصل "أشدداء"؛ نحو: "نصيب"؛ و"أنصباء"؛ ولكن الدالين تحركتا؛ فأدغمت الأولى في الثانية؛ ومثل هذا قوله: من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين [ ص: 29 ] وقوله: سيماهم في وجوههم من أثر السجود ؛ أي: في وجوههم علامة السجود؛ وهي علامة الخاشعين لله؛ المصلين؛ وقيل: يبعثون يوم القيامة غرا محجلين من أثر الطهور؛ وهذا يجعله الله لهم يوم القيامة علامة؛ وهي السيماء؛ يبين بها فضلهم على غيرهم؛ وقوله: ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل ؛ أي: ذلك صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في التوراة؛ ثم أعلم أن صفتهم في الإنجيل أيضا: كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه ؛ معنى "أخرج شطأه": أخرج نباته؛ فآزره فاستغلظ ؛ أي: فآزر الصغار الكبار حتى استوى بعضه مع بعض؛ على سوقه ؛ جمع "ساق"؛ وقوله: يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ؛ "الزراع": محمد - عليه السلام -؛ والدعاة إلى الإسلام؛ وهم أصحابه؛ وقوله: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما ؛ "منهم"؛ فيه قولان: أن تكون "منهم"؛ ههنا؛ تخليصا للجنس من غيره؛ كما تقول: "أنفق نفقتك من الدراهم؛ لا من الدنانير"؛ المعنى: "اجعل نفقتك من هذا الجنس"؛ وكما قال: فاجتنبوا الرجس من الأوثان ؛ لا يريد أن بعضها رجس؛ وبعضها غير رجس؛ ولكن المعنى: "اجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان"؛ [ ص: 30 ] فالمعنى: "وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤمنين أجرا عظيما؛ وفضلهم الله على غيرهم؛ لسابقتهم وعظم أجرهم؛ والوجه الثاني أن يكون المعنى: "وعد الله الذين أقاموا منهم على الإيمان؛ والعمل الصالح؛ مغفرة وأجرا عظيما.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية