الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ( 15 ) واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما ( 16 ) )

كان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا زنت فثبت زناها بالبينة العادلة ، حبست في بيت فلا تمكن من الخروج منه إلى أن تموت; ولهذا قال : ( واللاتي يأتين الفاحشة ) يعني : الزنا ( من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ) فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك .

قال ابن عباس : كان الحكم كذلك ، حتى أنزل الله سورة النور فنسخها بالجلد ، أو الرجم .

وكذا روي عن عكرمة ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وعطاء الخراساني ، وأبي صالح ، وقتادة ، وزيد بن أسلم ، والضحاك : أنها منسوخة . وهو أمر متفق عليه .

قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن حطان بن عبد الله الرقاشي ، عن عبادة بن الصامت قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي أثر عليه [ ص: 234 ] وكرب لذلك وتربد وجهه ، فأنزل الله عز وجل عليه ذات يوم ، فلما سري عنه قال : " خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب ، والبكر بالبكر ، الثيب جلد مائة ، ورجم بالحجارة ، والبكر جلد مائة ثم نفي سنة " .

وقد رواه مسلم وأصحاب السنن من طرق عن قتادة عن الحسن عن حطان عن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه : " خذوا عني ، خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا; البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " . وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح

وهكذا رواه أبو داود الطيالسي ، عن مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن حطان بن عبد الله الرقاشي ، عن عبادة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه الوحي عرف ذلك في وجهه ، فلما أنزلت : ( أو يجعل الله لهن سبيلا ) [ و ] ارتفع الوحي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذوا خذوا ، قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة ، والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة " .

وقد روى الإمام أحمد أيضا هذا الحديث عن وكيع بن الجراح ، حدثنا الفضل بن دلهم ، عن الحسن ، عن قبيصة بن حريث ، عن سلمة بن المحبق قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني ، خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " .

وكذا رواه أبو داود مطولا من حديث الفضل بن دلهم ، ثم قال : وليس هو بالحافظ ، كان قصابا بواسط .

حديث آخر : قال أبو بكر بن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا عباس بن حمدان ، حدثنا أحمد بن داود ، حدثنا عمرو بن عبد الغفار ، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البكران يجلدان وينفيان ، والثيبان يجلدان ويرجمان ، والشيخان يرجمان " . هذا حديث غريب من هذا الوجه .

وروى الطبراني من طريق ابن لهيعة ، عن أخيه عيسى بن لهيعة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما نزلت سورة النساء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا حبس بعد سورة النساء " .

وقد ذهب الإمام أحمد بن حنبل إلى القول بمقتضى هذا الحديث ، وهو الجمع بين الجلد والرجم في حق الثيب الزاني ، وذهب الجمهور إلى أن الثيب الزاني إنما يرجم فقط من غير جلد ، قالوا : لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا والغامدية واليهوديين ، ولم يجلدهم قبل ذلك ، فدل على أن الجلد ليس [ ص: 235 ] بحتم ، بل هو منسوخ على قولهم ، والله أعلم .

وقوله : ( واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ) أي : واللذان يأتيان الفاحشة فآذوهما . قال ابن عباس ، وسعيد بن جبير وغيرهما : أي بالشتم والتعيير ، والضرب بالنعال ، وكان الحكم كذلك حتى نسخه الله بالجلد أو الرجم .

وقال عكرمة ، وعطاء ، والحسن ، وعبد الله بن كثير : نزلت في الرجل والمرأة إذا زنيا .

وقال السدي : نزلت في الفتيان قبل أن يتزوجوا .

وقال مجاهد : نزلت في الرجلين إذا فعلا لا يكني ، وكأنه يريد اللواط ، والله أعلم .

وقد روى أهل السنن ، من حديث عمرو بن أبي عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من رأيتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به "

وقوله : ( فإن تابا وأصلحا ) أي : أقلعا ونزعا عما كانا عليه ، وصلحت أعمالهما وحسنت ( فأعرضوا عنهما ) أي : لا تعنفوهما بكلام قبيح بعد ذلك; لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ( إن الله كان توابا رحيما ) وقد ثبت في الصحيحين " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها " أي : ثم لا يعيرها بما صنعت بعد الحد ، الذي هو كفارة لما صنعت .

التالي السابق


الخدمات العلمية