الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1481 1452 - وكذلك ذكر في الموطأ بأثر الحديث المذكور في أول الباب ، عن نافع : أن عبد الله بن عمر ورث من حفصة بنت عمر دارها ، قال : وكانت حفصة قد أسكنت بنت زيد بن الخطاب ما عاشت ، فلما توفيت بنت زيد قبض عبد الله بن عمر المسكن ، ورأى أنه له .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        32985 - قال أبو عمر : لأنه كان شقيق حفصة ، والمنفرد بميراثها ، فرجعت إليه الدار بعد موتها ; لأن الإسكان لا يملك به إلا المنفعة دون الرقبة .

                                                                                                                        32986 - وكذلك الإعمار عند مالك ، وحجته في ذلك قول القاسم بن محمد : ما أدركت الناس إلا على شروطهم في أموالهم ، وفيما أعطوا ، يريد أن لفظ العمرى ينفي أن يكون للمعمر من الشيء الذي أعمر إلا منفعته ، وعمره ، لا غير .

                                                                                                                        32987 - ولم يأخذ مالك بحديثه المسند في هذا الباب عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن جابر ، وقال : ليس عليه العمل إلا ما ذكره عنه يحيى بن يحيى في الموطأ ، وكان من آخر من روى عنه الموطأ .

                                                                                                                        [ ص: 319 ] 32988 - وروى عنه بعض أصحابه أنه قال : رأيت محمدا ، وعبد الله ابني أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وسمعت عبد الله يعاتب محمدا ، ومحمد يومئذ قاض يقول له : ما لك لا تقضي بالحديث الذي جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العمرى ؟ - يعني حديث ابن شهاب عن أبي سلمة ، عن جابر فيقول له محمد : يا أخي لم أجد الناس على هذا ، فجعل عبد الله يكلمه ، ومحمد يأباه .

                                                                                                                        32989 - قال أبو عمر : لم يأخذ مالك بحديث العمرى ، ورده بالعمل عنده ، وقد أخذ به ابن شهاب وغيره .

                                                                                                                        32990 - وروى معمر ، عن ابن شهاب ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن جابر ، قال : إنما العمرى التي أجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما أن يقول : هي لك ، ولعقبك ، فأما إذا قال : هي لك ما عشت ، فإنها ترجع إلى صاحبها .

                                                                                                                        32991 - قال معمر : وكان الزهري يفتي بذلك .

                                                                                                                        32992 - قال أبو عمر : هذا قول أبي سلمة بن عبد الرحمن ، ويزيد بن قسيط ، وبه قال ابن أبي ذئب ، والأوزاعي ، وإليه ذهب أبو ثور ، وداود بن علي .

                                                                                                                        32993 - وقال الأوزاعي : قلت : للزهري : الرجل يقول للرجل جاريتي هذه لك حياتك ، أيحل له أن يطأها ؟ قال : لا : قلت : فقال : هي لك عمري ، أو [ ص: 320 ] عمرك ، فيحل له فرجها ، قال : لا ، حتى يبينها له ، إنما العمرى التي لا يكون فيها للمعمر شيء ، أن يقول : هي لك ، ولعقبك ، يعطيها له ، ولعقبه ، لا يكون للمعطي فيها مثوبة .

                                                                                                                        32994 - وقال محمد بن يحيى الذهلي النيسابوري : حديث معمر هذا إنما منتهاه إلى قوله : هي لك ، ولعقبك ، وما بعده عندنا من كلام الزهري ، قال : وما رواه أبو الزبير عن جابر يرد حديث معمر هذا .

                                                                                                                        32995 - قال أبو عمر : حديث أبي الزبير رواه ابن جريج ، والحجاج بن أبي عثمان ، وحماد بن سلمة ، وإبراهيم بن طهمان ، عن أبي الزبير عن جابر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا معشر الأنصار أمسكوا عليكم أموالكم ، ولا تعمروها ، فمن أعمر شيئا حياته ، فهو له حياته وموته .

                                                                                                                        32996 - وقد رواه ابن جريج أيضا عن عطاء ، عن جابر .

                                                                                                                        32997 - أخبرنا أبو محمد ; عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال حدثنا محمد بن عثمان بن ثابت أبو بكر الصيدلاني ببغداد ، قال : حدثني إسماعيل القاضي ، قال : حدثني علي بن المديني ، قال : حدثني سفيان ، قال : حدثني ابن جريج : أنه سمع عطاء يقول : سمعت جابر بن عبد الله يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تعمروا ، ولا ترقبوا ، فمن أعمر شيئا ، أو أرقبه ، فهو لورثته .

                                                                                                                        [ ص: 321 ] قال سفيان : وأخبرنا عمرو بن دينار ، عن سليمان بن يسار ، قال : قضى طارق بالمدينة بالعمرى للوارث عن قول جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بها .

                                                                                                                        32998 - وقد ذكرنا الآثار بهذا المعنى في التمهيد .

                                                                                                                        32999 - قال أبو عمر : من قال في العمرى بحديث أبي الزبير ، عن جابر ، وما كان مثله في العمرى جعل العمرى هبة مبتولة ملكا للذي أعمرها ، وأبطل شرط ذكر العمر فيها .

                                                                                                                        33000 - وبهذا قال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما .

                                                                                                                        33001 - وهو قول عبد الله بن شبرمة ، وسفيان الثوري ، والحسن بن صالح ، وابن عيينة ، وأحمد بن حنبل ، وأبي عبيد ، كل هؤلاء يقولون بالعمرى هبة مبتولة ، يملك المعمر رقبتها ، ومنافعها ، واشترطوا فيها القبض كسائر الهبات ، فإذا قبضها المعمر ورثها عنه ورثته بعده كسائر ماله ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبطل شرط المعمر فيها ، وجعلها ملكا للمعمر موروثا عنه .

                                                                                                                        33002 - قالوا : وسواء ذكر العقب في ذلك والسكوت عنه ; لأنه لو أعمرها من أعقبها ، أو من لا يكون له عقب كالمجبوب ، والعقيم ، فقال : لك ولعقبك ، أو قال ذلك لمن له عقب ، أو من لا يكون له عقب كالمجبوب ، والعقيم ، فقال : لك ولعقبك ، أو قال ذلك لمن له عقب ، فماتوا قبله لم يكن لذكر العقب معنى يصح ، إلا أنها حينئذ تورث عندهم عنه ، وقد يرثه غير عقبه .

                                                                                                                        33003 - قالوا : فذكر العقب لا معنى له في ذلك ، وإنما المعنى الصحيح ما [ ص: 322 ] جاء به الأثر واضحا أن العمرىتورث عن المعطي لملكه لها بما جعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك له حياته ، وموته .

                                                                                                                        33004 - وهو قول جابر بن عبد الله ، وابن عمر ، وابن عباس .

                                                                                                                        33005 - ذكر معمر ، عن أيوب ، عن حبيب بن أبي ثابت ، قال : سمعت ابن عمر وسأله أعرابي أعطى ابنه ناقة له حياته ، فأنتجت إبلا ، فقال ابن عمر : هي له حياته وموته .

                                                                                                                        قال : أفرأيت إن تصدق بها عليه ، قال : فذلك أبعد له .

                                                                                                                        33006 - قال أبو عمر : هذا الحديث عن ابن عمر يدل على أن مذهبه في العمرى بخلاف مذهبه في الإسكان والسكنى بدليل أنه ورث من حفصة أخته دارا كانت أسكنتها زيد بن الخطاب ما عاشت ، فلما ماتت بنت زيد بن الخطاب بعد موت حفصة ورث ابن عمر الدار عن أخته حفصة ; لأنها كانت على ملكها ، وكان عبد الله بن عمر وارثها ; لأنه كان شقيقها .

                                                                                                                        33007 - وعلى هذا أكثر أهل العلم في الإعمار والعمرى إذ ذلك مخالف للإسكان والسكنى .

                                                                                                                        33008 - وقد كان الحسن ، وعطاء ، وقتادة يسوون بين العمرى ، والسكنى ، وقالوا : من أسكن أحدا داره لم ينصرف إليه أبدا .

                                                                                                                        33009 - وكان الشعبي يقول : إذا قال : هي لك سكنى حتى تموت ، فهي له [ ص: 323 ] حياته وموته ، وإذا قال : داري هذه اسكنها حتى تموت ، فإنها ترجع إلى صاحبها .

                                                                                                                        33010 - قال أبو عمر : جعل هؤلاء السكنى كالعمرى هبة تملك بها الرقبة ، وجعل ملك العمرى كالسكنى ، لا تملك بها إلا المنفعة دون الرقبة .

                                                                                                                        33011 - وذلك الذي عليه جمهور أهل العلم في السكنى والإسكان أنه لا تملك به رقبة الشيء .

                                                                                                                        33012 - والخبر عن ابن عباس في العمرى رواه الثوري ، وغيره ، عن أبي الزبير ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، قال : لا تحل العمرى ، ولا الرقبى ، فمن أعمر شيئا ، فهو له ، ومن أرقب شيئا ، فهو له .

                                                                                                                        33013 - والخبر عن جابر رواه ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، وقد ذكرناه في التمهيد .

                                                                                                                        33014 - وهو قول طاوس ، ومجاهد ، وسليمان بن يسار ، وبه كان يقضي شريح ، وقد ذكرنا أخبار هذا الباب ، وطرقها ، وألفاظها ، واختلافها في التمهيد ، والحمد لله كثيرا .

                                                                                                                        33015 - وروى ابن عيينة ، عن أيوب السختياني ، عن ابن سيرين ، قال : خاصم رجل إلى شريح في العمرى ، فقضى له ، وقال : لست أنا قضيت لك ، ولكن [ ص: 324 ] محمدا - صلى الله عليه وسلم - قضى بذلك منذ أربعين سنة : العمرى ميراث عن أهلها ، من ملك شيئا حياته ، فهو لورثته إذا مات .

                                                                                                                        33016 - فأما حديث ابن شهاب في صدر هذا الباب ، فقد أوردنا فيه رواية مالك له بألفاظه ، ثم رواية معمر له بألفاظه .

                                                                                                                        33017 - ورواه ابن أبي ذئب ، والأوزاعي ، ومحمد ابن أخي الزهري ، والليث بن سعد على خلاف ذلك .

                                                                                                                        33018 - فأما رواية ابن أبي ذئب ، فذكرها في موطئه عن ابن شهاب عن أبي سلمة ، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى فيمن أعمر عمرى له ، ولعقبه ، فهي له قبله ، لا يجوز للمعطي فيها شرط ، ولا مثوبة .

                                                                                                                        33019 - قال أبو سلمة : لأنه أعطى عطاء وقعت به المواريث ، فقطعت المواريث شرطه .

                                                                                                                        33020 - قال أبو عمر : بين ابن أبي ذئب موضع المسند المرفوع من هذا الحديث ، فجعل سائره من قول أبي سلمة ، فجوده .

                                                                                                                        33021 - وذلك بخلاف ما قال محمد بن يحيى إذ جعله من قول الزهري .

                                                                                                                        33022 - ورواه الليث عن ابن شهاب بإسناده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : من أعمر رجلا عمرى ؛ له ولعقبه ، فقد قطع قوله حقه فيها ، وهي لمن أعمرها ، ولعقبه .

                                                                                                                        33023 - ورواه الأوزاعي ، قال : حدثني الزهري ، قالا : حدثني أبو سلمة ، [ ص: 325 ] قال : حدثني جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : العمرى لمن أعمرها ، هي له ، ولعقبه .

                                                                                                                        33024 - ورواية ابن أخي الزهري نحو ذلك .

                                                                                                                        33025 - ومعاني رواة ابن شهاب كلها متقاربة .

                                                                                                                        33026 - وأما قوله في حديث مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه ورث حفصة بنت عمر دارها ، فأسقط حرف الجر ، وهي لغة للعرب .

                                                                                                                        33027 - قال أبو الحجناء :


                                                                                                                        أضحت جياد ابن قعقاع مقسمة في الأقربين بلا من ولا ثمن ورثتهم فتسلوا عنك إذ ورثوا
                                                                                                                        وما ورثتك غير الهم والحزن

                                                                                                                        33028 - أراد : وما ورثت منك غير الهم والحزن .

                                                                                                                        33029 - وقالت زينب الطثرية :


                                                                                                                        مضى وورثناه دريس مفاضة وأبيض هنديا طويلا حمائله






                                                                                                                        الخدمات العلمية