الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          المحرمات في النكاح ضربان : أي صنفان ( ضرب ) يحرم ( على الأبد ) أي [ ص: 651 ] المحرمات على الأبد ( هن أقسام ) خمسة ( قسم ) يحرمن ( بالنسب وهن سبع الأم والجدة لأب ) وإن علت ( أو ) الجدة ( لأم وإن علت ) لقوله تعالى : { حرمت عليكم أمهاتكم } وأمهاتك كل من انتسبت إليها بولادة سواء وقع عليها اسم الأم حقيقة وهي التي ولدتك ، أو مجازا وهي والتي ولدت من ولدتك وإن علت ; ومنه جداتك أم أبيك ، وأم أمك ، وجدة أمك وجدات أجدادك ، وجدات جداتك . وإن علون وارثات كن أو غير وارثات ذكر أبو هريرة : { هاجر أم إسماعيل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تلك أمكم يا بني ماء السماء } .

                                                                          وفي الدعاء المأثور { اللهم صلي على أبينا آدم وأمنا حواء } ( والبنات ) لصلب ( وبنات الولد ) ذكرا كان أو أنثى ( وإن سفل ) وارثات كن أو غير وارثات ، لقوله تعالى : { وبناتكم } ( ولو ) كن ( منفيات بلعان ) أو كن ( من زنا ) لدخولهن في عموم اللفظ ، والنفي بلعان لا يمنع احتمال كونها خلقت من مائه .

                                                                          وكذا يقال في الأخوات وغيرهن مما يأتي من الأقسام ، ويكفي في التحريم أن يعلم أنها بنتها ونحوها ظاهرا ، وإن كان النسب لغيره ( والأخت من الجهات الثلاث ) وهي الأخت لأبوين والأخت لأب والأخت لأم ، لقوله تعالى : وأخواتكم ( وبنت لها ) أي للأخت مطلقا ( أو ) بنت ( لابنها ) أي ابن الأخت ( أو ) بنت ( لبنتها ) أي لبنت الأخت ، لقوله تعالى : { وبنات الأخت } ( وبنت كل أخ ) شقيق أو لأب أو لأم ( وبنتها ) أي بنت بنت الأخ ( وبنت ابنها وإن نزلن كلهن ) لقوله تعالى : { وبنات الأخ } ( والعمة ) من كل جهة ( والخالة من كل جهة وإن علتا ) أي العمة والخالة ( كعمة أبيه وعمة ) أمه لقوله تعالى : { وعماتكم وخالاتكم } ( وعمة العم لأب ) لأنها عمة أبيه و ( لا ) تحرم عمة العم ( لأم ) بأن يكون للعم أخي أبيه لأمه عمة فلا تحرم على ابن أخيه ، لأنها أجنبية منه و ( كعمة الخالة لأب ) فتحرم ; لأنها عمة الأم و ( لا ) تحرم ( عمة الخالة لأم ) لأنها أجنبية منه ( و ) ( كخالة العمة لأم ) فتحرم ; لأنها خالة أبيه .

                                                                          و ( لا ) تحرم خالة ( العمة لأب ) لأنها أجنبية ( فتحرم كل نسيبة ) أي قريبة ( سوى بنت عم و ) بنت ( عمة وبنت خال وبنت خالة و ) إن نزلن ، لقوله تعالى : { وبنات عمك } الآية . والقسم ( الثاني ) من المحرمات على الأبد [ ص: 652 ] المحرمات ( بالرضاع ولو ) كان الإرضاع محرما كمن ( أكره ) وفي نسخة غصب ( امرأة على إرضاع طفل ) فأرضعته فتحرم عليه لوجود سبب التحريم وهو الرضاع ، ولا يشترط في سبب التحريم كونه مباحا بدليل ثبوت تحريم والمصاهرة بالزنا وكذا لو غصب لبن امرأة وسقاه طفلا سقيا محرما ( وتحريمه ) أي الرضاع ( ك ) تحريم ( نسب ) فكل امرأة حرمت من النسب حرم مثلها بالرضاع حتى من ارتضعت من لبن ثاب منه من زنا كبنته من زنا نص عليه في رواية عبد الله لحديث ابن عباس { أنه صلى الله عليه وسلم أريد على ابنة حمزة فقال : إنها لا تحل لي . إنها ابنة أخي من الرضاع فإنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب } وفي لفظ { من الرحم } متفق عليه .

                                                                          وعن علي مرفوعا { أن الله حرم من الرضاع ما حرم من النسب } رواه أحمد والترمذي وصححه ولأن الأمهات والأخوات منصوص عليهن في قوله تعالى : { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة } والباقيات يدخلن في عموم لفظ سائر المحرمات فيدخل في البنات بنات الرضاعة وفي بنات الأخ والأخت بناتهما من الرضاعة وفي العمات والخالات العمة والخالة من الرضاع ( حتى في مصاهرة فتحرم زوجة أبيه و ) زوجة ( ولده من رضاع ك ) ما تحرم عليه زوجة أبيه وابنه ( من نسب ) وقوله تعالى : { الذين من أصلابكم } احترازا عمن تبناه و ( لا ) تحرم على رجل ( أم أخيه ) من رضاع ( و ) لا ( أخت ابنه من رضاع ) أي فتحل مرضعة وبنتها لأبي مرتضع وأخيه من نسب وتحل أم مرتضع وأخته من نسب لأبيه وأخيه من رضاع ; لأنهن في مقابلة من يحرم بالمصاهرة لا في مقابلة من يحرم من النسب ، والشارع إنما حرم من الرضاع ما حرم من النسب لا ما يحرم بالمصاهرة .

                                                                          القسم ( الثالث ) المحرمات ( بالمصاهرة وهن أربع ) إحداهن ( أمهات زوجته وإن علون ) من نسب ومثلهن من رضاع فيحرمن بمجرد العقد نصا لقوله تعالى : { وأمهات نسائكم } والمعقود عليها من نسائه فتدخل أمها في عموم الآية . قال ابن عباس أبهموا ما أبهم القرآن أي عمموا حكمها في كل حال ولا تفصلوا بين المدخول بها وغيرها ، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا { من تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها فلا بأس أن يتزوج ربيبته ولا يحل له أن يتزوج أمها } رواه أبو حفص [ ص: 653 ]

                                                                          ( و ) الثاني والثالث ( حلائل عمودي نسبه ) أي زوجات آبائه وأبنائه سميت امرأة الرجل حليلة ; لأنها تحل إزار زوجها ومحللة له ( ومثلهن ) أي مثل حلائل عمودي نسبه زوجات آبائه وأبنائه ( من رضاع فيحرمن ) أي أمهات زوجته وحلائل عمودي نسبه ومثلهن من رضاع ( بمجرد عقد ) قال في الشرح لا نعلم في هذا خلافا ، ويدخل فيه زوجة الجد وإن علا وارثا كان أو غيره وزوجة الابن وزوجة ابنه وابن بنته وإن نزل وارثا كان أو غير وارث و ( لا ) تحرم ( بناتهن ) أي بنات حلائل عمودي نسبه ( وأمهاتهن ) فتحل له ربيبة والده وولده وأم زوجة والده وولده ، لقوله تعالى : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } .

                                                                          ( و ) الرابعة ( الربائب وهن بنات زوجته دخل بها وإن سفلن ) من نسب أو رضاع ، قوله تعالى : { وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } ( أو كن ) بنات ( لربيب أو ) كن بنات ل ( ابن ربيبه ) قريبات كن أو بعيدات وارثات أو غير وارثات في حجره أو لا ، لأن التربية لا تأثير لها في التحريم . وأما قوله تعالى : { اللاتي في حجوركم } فقد خرج مخرج الغالب لا الشرط فلا يصح التمسك بمفهومه .

                                                                          ( فإن ماتت ) الزوجة ( قبل دخول ) لم تحرم بناتها لقوله تعالى : { فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } ( أو أبانها ) أي الزوجة ( بعد خلوة وقبل وطء لم يحرمن ) أي بناتها للآية والخلوة لا تسمى دخولا ( وتحل زوجة ربيب ) بانت منه لزوج أمه .

                                                                          ( و ) تحل ( بنت زوج أم ) لابن امرأته ( و ) تحل ( زوجة زوج أم ) لابنها ( و ) يحل ( لأنثى ابن زوجة ابن ) لها ( و ) ويحل لأنثى ( زوج زوجة أب ) بأن تتزوج زوج زوجة أبيها ( أو ) زوج ( زوجة ابن ) بأن تتزوج زوج زوجة ابنها ، لقوله تعالى : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } ولأن الأصل في الفروج الحل إلا ما ورد الشرع بتحريمه .

                                                                          ( ولا يحرم ) بتشديد الراء وطء ( في مصاهرة إلا بتغييب حشفة أصلية في فرج أصلي ) ظاهره ولو بحائل ( ولو دبرا ) ; لأنه فرج يتعلق به التحريم إذا وجد في الزوجة والأمة فكذا في الزنا ( أو ) كان الوطء ( بشبهة أو بزنا بشرط حياتهما ) أي الواطئ والموطوءة فلو أولج ذكره في فرج ميتة أو أدخلت امرأة حشفة ميت في فرجها لم يؤثر في تحريم المصاهرة ( و ) يشترط ( كون مثلهما يطأ ويوطأ ) فلو أولج ابن [ ص: 654 ] دون عشر سنين حشفته في فرج امرأة أو أولج ابن عشر فأكثر حشفته في فرج بنت دون تسع لم يؤثر في تحريم المصاهرة . وكذا تغييب بعض الحشفة واللمس والقبلة والمباشرة دون الفرج فلا يؤثر في تحريم المصاهرة ، ومقتضاه أيضا أن تحمل المرأة ماء أجنبي لا يؤثر في تحريم المصاهرة .

                                                                          وجزم به في الإقناع ، ويأتي به في الصداق أنه يحرم كالوطء ، وإنما كان وطء الشبهة والزنا محرما كالحلال ، لعموم قوله تعالى : { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم } ونظائره ، ولأن ما تعلق من التحريم بالوطء المباح تعلق بالمحظور كوطء الحائض ( ويحرم بوطء ذكر ما يحرم ب ) وطء ( امرأة فلا يحل لكل من لائط وملوط به أم الآخر ، ولا ابنته ) أي الآخر ، لأنه وطئ في فرج فنشر الحرمة كوطء امرأة . قال في الشرح الصحيح : أن هذا لا ينشر الحرمة فإن هؤلاء غير منصوص عليهن في التحريم فيدخلن في عموم قوله : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } ولا هن غير منصوص عليهن ، ولأنهن في معنى المنصوص عليهن ، فوجب أن لا يثبت حكم التحريم ، فيهن فإن المنصوص عليهن في هذا حلائل الأبناء ومن نكحهن الآباء وأمهات النساء وبناتهن وليس هؤلاء منهن ولا في معناهن القسم ( الرابع ) من المحرمات على الأبد المحرمة ( باللعان ) نصا ( فمن لاعن زوجته ولو في نكاح فاسد ) لنفي ولد ( أو ) لاعن زوجته ( بعد إبانة لنفي ولد حرمت أبدا ولو أكذب نفسه ) ويأتي موضحا في اللعان القسم ( الخامس ) من المحرمات على الأبد ( زوجات نبينا ) محمد صلى الله عليه وسلم فيحرمن ( على غيره ) أبدا ، لقوله تعالى : { ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا } ( ولو من فارقها ) في حياته ; لأنها من أزواجه ( وهن أزواجه دنيا وأخرى ) كرامة له صلى الله عليه وسلم .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية