الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        وفي الهداية ولو وقف في مرض موته قال الطحاوي هو بمنزلة الوصية بعد الموت والصحيح أنه لا يلزم عند أبي حنيفة وعندهما يلزم إلا أنه يعتبر من الثلث والوقف في الصحة من جميع المال . ا هـ .

                                                                                        وفي الظهيرية امرأة وقفت منزلا في مرضها على بناتها ثم من بعدهن على أولادهن وأولاد أولادهن أبدا ما تناسلوا فإذا انقرضوا فللفقراء ثم ماتت من مرضها وخلفت من الورثة بنتين وأختا لأب والأخت لا ترضى بما صنعت ولا مال لها سوى المنزل جاز الوقف في الثلث ولم يجز في الثلثين فيقسم الثلثان بين الورثة على قدر سهامهم ويوقف الثلث فما خرج من غلته قسم بين الورثة كلهم على قدر سهامهم ما عاشت البنتان فإذا ماتتا صرفت الغلة إلى أولادهما وأولاد أولادهما كما شرطت الواقفة لا حق للورثة في ذلك .

                                                                                        رجل وقف دارا له في مرضه على ثلاث بنات له وليس له وارث غيرهن .

                                                                                        قال الثلث من الدار وقف والثلثان مطلق له يصنعن بهما ما شئن قال الفقيه أبو الليث هذا إذا لم يجزن أما إذا أجزن صار الكل وقفا عليهن . ا هـ .

                                                                                        والحاصل أن المريض إذا وقف على بعض ورثته ثم من بعدهم على أولادهم ثم على الفقراء .

                                                                                        فإن أجاز الوارث الآخر كان الكل وقفا واتبع الشرط وإلا كان الثلثان ملكا بين الورثة والثلث وقفا مع أن الوصية للبعض لا تنفذ في شيء لأنه لم يتمحض للوارث لأنه بعده لغيره فاعتبر الغير بالنظر إلى الثلث واعتبر الوارث بالنظر إلى غلة الثلث الذي صار وقفا فلا يتبع الشرط ما دام الوارث حيا وإنما تقسم غلة هذا الثلث بين الورثة على فرائض الله تعالى فإذا انقرض الوارث الموقوف عليه اعتبر شرطه في غلة الثلث وإن وقف على غير الورثة ولم يجيزوا كان الثلث وقفا واعتبر شرطه فيه والثلثان ملك فلو باع الوارث الثلثين قبل ظهور مال آخر ثم ظهر لم يبطل البيع ويغرم القيمة فيشتري بذلك أرضا وتجعل وقفا على جهة الأول كذا في البزازية .

                                                                                        وفيها قال أرضي هذه صدقة موقوفة على ابني فلان فإن مات فعلى ولدي وولد ولدي ونسلي ولم تجز الورثة فهي إرث بين كل الورثة ما دام الابن الموقوف عليه حيا فإن مات صار كلها للنسل . ا هـ .

                                                                                        وهي عبارة غير صحيحة [ ص: 211 ] لما قدمنا عن الظهيرية أن الثلثين ملك والثلث وقف وأن غلة الثلث تقسم على الورثة ما دام الوارث الموقوف عليه حيا ويدل عليه أيضا ما ذكره في البزازية بعده وقف أرضه في مرضه على ولده وولد ولده ولا مال له سواه فثلثها وقف على ولد الولد بلا توقف على إجازة الورثة والثلثان للورثة إن لم يجيزوا وإن أجازوا كان بين الصلبي وولد الولد على السواء وقف أرضه في مرضه وهي تخرج من الثلث فتلف المال قبل موته وصار لا يخرج من الثلث أو تلف المال بعد موته قبل أن يصل إلى الورثة فثلثها وقف وثلثاها للورثة وقف أرضه في مرضه على بعض ورثته فإن أجازوا الورثة فهو كما قالوا في الوصية لبعض ورثته وإلا فإن كانت تخرج من الثلث صارت الأرض وقفا وإن لم تخرج فمقدار ما يخرج من الثلث يصير وقفا ثم تقسم جميع غلة الأرض ما جاز فيه الوقف وما لم يجز على فرائض الله تعالى ما دام الموقوف عليه أو أحدهم في الأحياء فإذا انقرضوا كلهم تصرف غلة الأرض إلى الفقراء إن لم يوص الواقف إلى واحد من الورثة ولو مات أحد منهم من الموقوف عليهم من الورثة وبقي الآخر فإن الميت في قسمة الغلة ما دام الموقوف عليهم أحياء يجعل كأنه حي فيقسم ثم يجعل سهمه ميراثا لورثته الذين لا حصة لهم من الوقف . ا هـ .

                                                                                        ثم اعلم أنه لو وقفها في مرض موته ولا وارث له إلا زوجته ولم تجز ينبغي أن يكون لها من السدس والخمسة الأسداس تكون وقفا لما في البزازية من كتاب الوصايا مات ولم يدع إلا امرأة واحدة وأوصى بكل ماله لرجل إن أجازت فكل المال له وإلا فالسدس لها وخمسة الأسداس له لأن الموصى له يأخذ الثلث أولا بقي أربعة تأخذ الربع والثلاثة الباقية للموصى له فحصل له خمسة من ستة . ا هـ .

                                                                                        ولا شك أن الوقف في مرض الموت وصية وفي المحيط وقف المريض على أربعة أوجه الأول أن يقف على الفقراء فإن خرج من الثلث جاز في الجميع وإلا فإن أجاز الورثة جاز في الكل وإلا جاز في الثلث الثاني لو وقف على وارث بعينه ولم يخرج من الثلث فإن لم يجيزوا جاز في الثلث وذكر هلال والخصاف تقسم جميع غلة الأرض بين الورثة على فرائض الله تعالى ولا يعطى للفقراء شيء ما دام الموقوف عليه حيا فإذا مات صرف للفقراء فإن كان يخرج من الثلث يكون الكل للفقراء وإلا فلهم بقدر ما يخرج من الثلث لأن هذا وقف على الفقراء بعد موت الوارث لا قبله فما دام الوارث حيا لا يكون وقفا على الفقراء فلا يكون لهم حق في تلك الغلة والوصية للوارث قد بطلت فيقسم الكل بينهم بالسوية وقال بعضهم يعطي حصة الوقف من الغلة للفقراء للحال ولا يكون للورثة منها شيء لأن الوقف حصل على الفقراء للحال لأن هذا الوقف وصية بالغلة للوارث فإذا لم يجز الباقون بطلت الوصية للوارث فبقي هذا وقفا على الفقراء .

                                                                                        فأما إذا أجاز الورثة قيل تكون حصة الوقف للفقراء للحال وقيل مقدار الثلث للفقراء وما وراء الثلث للموقوف عليه ما دام حيا فإذا مات رجع إلى الورثة والثالث لو وقف على المحتاجين من ولده ونسله ثم على الفقراء فإن كان الأولاد والنسل كلهم أغنياء فالغلة للفقراء وإن كانوا كلهم فقراء أو كان في كل فريق بعضهم فقراء فإنه تقسم الغلة بينهم وبين فقراء الفريقين بالسوية فما أصاب الفقراء من أولاد الصلب قسم بين الأغنياء والفقراء على فرائض الله تعالى وما أصاب الفقراء من النسل قسم بينهم بالسوية دون الأغنياء منهم وإن كان أولاد الصلب كلهم أغنياء ونسله فقراء فالغلة كلها للنسل بينهم بالسوية .

                                                                                        وإن كان ذلك على العكس أو بعض أولاد الصلب فقراء فالغلة كلها لأولاد الصلب تقسم بينهم على فرائض الله تعالى لأن ما أصاب النسل أصابوه على سبيل الوصية لأنهم لا يكونوا ورثة فيكون بينهم بالسوية وما أصاب الأولاد بطريق الإرث [ ص: 212 ] إذ { لا وصية للوارث } فيكون بينهم على قدر مواريثهم .

                                                                                        والرابع لو أوصى بأن توقف أرضه بعد موته على فقراء المسلمين فإن خرجت من الثلث أو لم تخرج ولكن أجازت الورثة فإنها توقف كلها وإن لم يجيزوا فمقدار الثلث يوقف اعتبارا للبعض بالكل وإن خرجت كله من ثلثه وفيها نخل فأثمرت بعد الموت قبل وقف الأرض دخلت الثمرة في الوقف لأنها خرجت من أصل مشغول بحق الموقوف عليهم وإن أثمرت قبل الموت فتلك الثمرة تكون ميراثا . ا هـ . وتمامه في الإسعاف مع بيان حكم إقرار المريض بالوقف

                                                                                        [ ص: 210 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 210 ] ( قوله قال الثلث من الدار وقف إلخ ) أي لأن الوقف في المرض وصية فتنفذ من الثلث فقط إلا بإجازة لكن صرحوا بأن الوصية للوارث لا تجوز ولعل مرادهم أنها لا تجوز حيث وجد المنازع وهو الوارث الآخر لتعلق حقه أما إذا لم يوجد وارث غير الموصى له فتجوز بلا إجازة لعدم المنازع لكن قد يقال إذا لم يوجد غيره فلم لا تجوز في الكل بل توقف جوازها في الثلثين على الإجازة .

                                                                                        وقد يجاب بأن الشارع لم يجعل للموصي حقا فيما زاد على الثلث فلم تجز في الزائد وإن كانت للوارث بلا منازع إلا إذا أجازها هذا ما ظهر لي والله أعلم ( قوله وهي عبارة غير صحيحة ) لوجهين أحدهما أنه جعل الأرض إرثا للورثة ومقتضاه أنها مملوكة لهم مع أن المملوك لهم ثلثاها فقط وأيضا إذا كانت مملوكة لهم كيف تصير بعد موت الابن للنسل والجواب أن قوله فهي إرث أي حكما يعني أن غلتها تصرف بينهم على حكم الإرث وليس المراد أن نفس الأرض تكون إرثا فليس بينهما وبين ما في الظهيرية مخالفة ثانيهما قوله فإن مات صارت كلها للنسل يخالفه فإن الثلثين ملك الوارث والموقوف هو الثلث فالذي تصير غلته للنسل هو هذا الثلث لا الأرض كلها .

                                                                                        والظاهر أن هذا مراد المؤلف رحمه الله تعالى ويمكن أن يجاب عنه بأن الضمير في قوله فهي إرث راجع إلى غلة الثلث الذي صار وقفا وقوله فإن مات صار كلها للنسل أي كل غلة هذا الثلث وأما الثلثان فهما مملوكان رقبة للورثة والقرينة على هذه الإرادة أن الذي يصير للورثة هو تلك الغلة التي للثلث فتأمل وأجاب شيخنا بما هو المتعين وهو أن يحمل كلام البزازية على ما إذا كانت الأرض تخرج من ثلث المال فإنها حينئذ تصير كلها وقفا وحيث لم يجيزوا تقسم غلتها كالإرث ثم بعد موت الابن تصير كلها للنسل ويوضحه المسألة الثالثة المنقولة عن البزازية أيضا .

                                                                                        وفي أوقاف الإمام الخصاف لو أن رجلا مريضا قال أرضي هذه صدقة موقوفة لله أبدا على ولده وولد ولده ونسله وعقبه أبدا ما تناسلوا ثم من بعدهم على المساكين فإن كانت هذه الأرض تخرج من الثلث أخرجت وكانت موقوفة تستغل ثم تقسم غلتها على جميع ورثته على قدر مواريثهم عنه فإن كان له ولد لصلبه وله ولد ولد قسمت الغلة على عدد ولده لصلبه وعلى عدد ولد ولده فما أصاب من ذلك ولده قسم بين ورثته [ ص: 211 ] جميعا على عدد مواريثهم من قبل أن هذه وصية والوصية للوارث لا تجوز فما أصاب من ذلك من يرثه من ولده من غلة هذا الوقف قسم ذلك بين جميع ورثة الواقف على قدر مواريثهم عنه وما أصاب من لا يرثه من ولد ولده من هذه الغلة كان ذلك لهم فإذا انقرض ولده لصلبه قسمت غلة هذه الصدقة بين ولد ولده ونسله على ما قال ولا يكون لزوجته ولا لأبويه من ذلك شيء .

                                                                                        فإن كانت هذه الأرض لا تخرج من ثلث مال الواقف قال يكون ثلثاها ميراثا بين جميع ورثته على قدر مواريثهم عنه ويكون ثلثها موقوفا تقسم غلته إذا جاءت على ولده لصلبه وولد ولده جميعا إن كان له ولد وولد ولد فما أصاب ولده لصلبه يقسم ذلك بين سائر ورثته على قدر مواريثهم فإذا انقرضوا أنفذت الغلة على ما سبلها الواقف . ا هـ .




                                                                                        الخدمات العلمية