الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : فلا اقتحم العقبة

                                                                                                                                                                                                                                      وقد بين المراد بالعقبة فيما بعد بقوله : وما أدراك ما العقبة [ 90 \ 12 ] ، ثم ذكر تفصيلها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكر أن كل ما جاء بصيغة " وما أدراك " ، فقد جاء تفصيله بعده كقوله تعالى : القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث [ 101 \ 1 - 4 ] ، وما بعدها .

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم عند قوله تعالى : الحاقة ما الحاقة [ 69 \ 1 - 2 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي تفسير العقبة بالمذكورات ، فك الرقبة ، وإطعام اليتيم والمسكين ، توجيه إلى ضرورة الإنفاق حقا لا ما يدعيه الإنسان بدون حقيقة في قوله : أهلكت مالا لبدا [ 90 \ 6 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      أما فك الرقبة : فإنه الإسهام في عتق الرقيق ، والاستقلال في عتقها يعبر عنه بفك النسمة .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا العنصر من العمل بالغ الأهمية ، حيث قدم في سلم الاقتحام لتلك العقبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد جاءت السنة ببيان فضل هذا العمل حتى أصبح عتق الرقيق أو فك النسمة ، يعادل به عتق المعتق من النار كل عضو بعضو ، وفيه نصوص عديدة ساقها ابن كثير ، وفي هذا إشعار بحقيقة موقف الإسلام من الرق ، ومدى حرصه وتطلعه إلى تحرير الرقاب .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 533 ] فها هو هنا يجعل عتق الرقبة ، سلم اقتحام العقبة ، وجعله عتقا للمعتق من النار كل عضو بعضو . ومعلوم أن كل مسلم يسعى لذلك ، وجعله كفارة لكل يمين وللظهار بين الزوجين ، وكفارة القتل الخطأ ، كل ذلك نوافذ إطلاق الأسارى ، وفك الرقاب في الوقت الذي لم يفتح للاسترقاق إلا باب واحد ، هو الأسر في القتال مع المشركين لا غير ، وهما مما سبق تنبيها عليه ردا على المستشرقين ومن تأثر بهم ; في ادعائهم على الإسلام : أنه متعطش لاسترقاق الأحرار .

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - الكلام على قوله تعالى : إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم [ 17 \ 9 ] في سورة " الإسراء " .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : أو إطعام في يوم ذي مسغبة [ 90 \ 14 ] . أي : شدة وجوع . والساغب : الجائع ; قال القرطبي : وأنشد أبو عبيدة :


                                                                                                                                                                                                                                      فلو كنت جارا يا بن قيس لعاصم لما بت شبعانا وجارك ساغبا



                                                                                                                                                                                                                                      أي : لو كنت جارا بحق تعني بحق الجار ، لما حدث لجارك هذا .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا القيد لحال الإطعام ; دليل على قوة الإيمان بالجزاء ، وتقديم ما عند الله ; على ما في قوله تعالى : ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا [ 76 \ 8 ] ، على ما تقدم من أن الضمير في حبه أنه للطعام ، وهذا غالب في حالات الشدة والمسغبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة [ 59 \ 9 ] ، فهي أعلى منازل الفضيلة في الإطعام .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية