الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 383 ) مسألة : قال : ( وإذا وجد المتيمم الماء ، وهو في الصلاة ، خرج فتوضأ ، أو اغتسل إن كان جنبا ، واستقبل الصلاة ) المشهور في المذهب أن المتيمم إذا قدر على استعمال الماء بطل تيممه ، سواء كان في الصلاة أو خارجا منها ; فإن كان في الصلاة بطلت ، لبطلان طهارته ، ويلزمه استعمال الماء ، فيتوضأ إن كان محدثا ، ويغتسل إن كان جنبا . وبهذا قال الثوري ، وأبو حنيفة . وقال مالك ، والشافعي ، وأبو ثور ، وابن المنذر : إن كان في الصلاة ، مضى فيها . وقد روي ذلك عن أحمد ، إلا أنه روي عنه ما يدل على رجوعه عنه .

                                                                                                                                            قال المروذي : قال أحمد : كنت أقول يمضي . ثم تدبرت ، فإذا أكثر الأحاديث على أنه يخرج . وهذا يدل على رجوعه عن هذه الرواية . واحتجوا بأنه وجد المبدل بعد التلبس بمقصود البدل ، فلم يلزمه الخروج ، كما لو وجد الرقبة بعد التلبس بالصيام ; ولأنه غير قادر على استعمال الماء ; لأن قدرته تتوقف على إبطال الصلاة ، وهو منهي عن إبطالها ، بقوله تعالى : { ولا تبطلوا أعمالكم } ولنا قوله عليه السلام : { الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك } . أخرجه أبو داود والنسائي .

                                                                                                                                            دل بمفهومه : على أنه لا يكون طهورا عند وجود الماء ، وبمنطوقه على وجوب إمساسه جلده عند وجوده ; ولأنه قدر على استعمال الماء ، فبطل تيممه ، كالخارج من الصلاة ; ولأن [ ص: 168 ] التيمم طهارة ضرورة ، فبطلت بزوال الضرورة كطهارة المستحاضة إذا انقطع دمها . يحققه أن التيمم لا يرفع الحدث ، وإنما أبيح للمتيمم أن يصلي مع كونه محدثا ; لضرورة العجز عن الماء ، فإذا وجد الماء زالت الضرورة ، فظهر حكم الحدث كالأصل ، ولا يصح قياسهم ; فإن الصوم هو البدل نفسه ، فنظيره إذا قدر على الماء بعد تيممه ، ولا خلاف في بطلانه . ثم الفرق بينهما أن مدة الصيام تطول ، فيشق الخروج منه ; لما فيه من الجمع بين فرضين شاقين ، بخلاف مسألتنا .

                                                                                                                                            وقولهم : إنه غير قادر غير صحيح فإن الماء قريب ، وآلته صحيحة ، والموانع منتفية ، وقولهم : إنه منهي عن إبطال الصلاة . قلنا : لا يحتاج إلى إبطال الصلاة ، بل هي تبطل بزوال الطهارة ، كما في نظائرها . فإذا ثبت هذا ، فمتى خرج فتوضأ لزمه استئناف الصلاة . وقيل : فيه وجه آخر ، أنه يبنى على ما مضى منها ، كالذي سبقه الحدث . والصحيح أنه لا يبني ; لأن الطهارة شرط ، وقد فاتت ببطلان التيمم ، فلا يجوز بقاء الصلاة مع فوات شرطها ، ولا يجوز بقاء ما مضى صحيحا مع خروجه منها قبل إتمامها . وكذا نقول فيمن سبقه الحدث وإن سلمنا ، فالفرق بينهما أن ما مضى من الصلاة انبنى على طهارة ضعيفة هاهنا ، فلم يكن له البناء عليه ، كطهارة المستحاضة ، بخلاف من سبقه الحدث .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية