الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
المصالح التي أمر الشرع بتحصيلها ضربان : أحدهما مصالح الإيجاب .

والثاني : مصالح الندب .

والمفاسد التي أمر الشرع بدرئها ضربان : [ ص: 18 ] أحدهما : مفاسد الكراهة .

الثاني : مفاسد التحريم .

والشرع يحتاط لدرء مفاسد الكراهة والتحريم ، كما يحتاط لجلب مصالح الندب والإيجاب ، والاحتياط ضربان : أحدهما : ما يندب إليه ، ويعبر عنه بالورع ، كغسل اليدين ثلاثا إذا قام من النوم قبل إدخالهما الإناء ، وكالخروج من خلاف العلماء عند تقارب المأخذ ، وكإصلاح الحكام بين الخصوم في مسائل الخلاف ، وكاجتناب كل مفسدة موهمة ، وفعل كل مصلحة موهمة ; فمن شك في عقد من العقود ، أو في شرط من شروطه ، أو في ركن من أركانه ، فليعده بشروطه وأركانه ، وكذلك من فرغ من عبادة ، ثم شك في شيء من أركانها ، أو شرائطها بعد زمن طويل ، فالورع أن يعيدها ، فلو شك في إبراء من دين ، أو تعزير ، أو حد ، أو قصاص ; فليبرئ من ذلك ليحصل على جزاء المحسنين ، ويبرأ خصمه بيقين ، وإن شك في إعتاق ، أو نكاح قبل الدخول ، فليجدد النكاح والإعتاق ، وإن شك أطلق قبل الدخول أو بعده ، فإن كان قبل انقضاء العدة ، فليجدد رجعة ونكاحا ، وإن كان بعد انقضائها ، فليجدد النكاح ، وإن شك أطلق واحدة أو اثنتين ، فإن أراد بقاء النكاح مع الورع ، فليطلق طلقة معلقة على نفي الطلقة الثانية ، بأن يقول إن لم أكن طلقتها فهي طالق كي لا يقع عليه طلقتان ، وإن شك في الطلقة أرجعية هي أم خلع فليرتجع ، وليجدد النكاح ; لأنها إن تكن رجعية ، فقد تلافاها بالرجعة ، وإن كانت خلعا ، فقد تلافاها ، وإن شك في حال المال المخرج في الزكاة ، أو الكفارة ، أو الديون ، فليعد ذلك ، ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث ، فالورع أن يحدث ، ثم يتطهر ، فإن تطهر من غير حدث ، [ ص: 19 ] فالمختار أن الورع لا يحصل بذلك ; لعجزه عن جزم نية رفع الحدث ; لأن بقاء الطهارة يمنعه من الجزم ، كما أن بقاء شعبان يمنع من جزم نية صوم شهر رمضان ليلة الثلاثين من شعبان ، وهذا هو الجاري على أصول مذهب الشافعي ، رحمه الله ، من جهة أن استصحاب الأصل قد منع الجزم والإجزاء في مسائل شتى ، ولا فرق بينهما وبين هذا ، ولو التبس عليه المني بالمذي فليجامع ثم يغتسل لجزم النية ، فإن اغتسل من غير جنابة فينبغي أن لا يجزئه إلا في أعضاء الوضوء ، لا أن استصحاب الطهارة فيما عدا الوضوء مانع من جزم نية الغسل فيها ، ونظائر هذا كثيرة ، وضابطه أن يدع ما يريبه إلى ما لا يريبه ، ومن ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه .

التالي السابق


الخدمات العلمية