الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1486 [ ص: 348 ] 40 - باب القضاء في الضوال

                                                                                                                        1457 - مالك عن يحيى بن سعيد ، عن سليمان بن يسار ; أن ثابت بن الضحاك الأنصاري أخبره أنه وجد بعيرا بالحرة ، فعقله ، ثم ذكره لعمر بن الخطاب ، فأمره عمر أن يعرفه ثلاث مرات ، فقال له ثابت : إنه قد شغلني عن ضيعتي ، فقال له عمر : أرسله حيث وجدته .

                                                                                                                        1458 - مالك عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ; أن عمر [ ص: 349 ] بن الخطاب قال ، وهو مسند ظهره ، إلى الكعبة : من أخذ ضالة فهو ضال .

                                                                                                                        1459 - مالك ; أنه سمع ابن شهاب يقول : كانت ضوال الإبل في زمان عمر بن الخطاب إبلا مؤبلة ، تناتج ، لا يمسها أحد ، حتى إذا كان زمان عثمان بن عفان ، أمر بتعريفها . ثم تباع ، فإذا جاء صاحبها ، أعطي ثمنها .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        33167 - قال أبو عمر : روى هذا الخبر سفيان بن عيينة ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، قال : كانت ضوال الإبل في زمن عمر بن الخطاب تناتج هملا لا يعرف لها أحد ، فلما كان عثمان وضع عليها ميسم الصدقة .

                                                                                                                        وهو في الموطأ لمالك ، عن ابن شهاب لم يتجاوز به ابن شهاب ، ولم يذكر سعيد بن المسيب ، وسياقة مالك له عن ابن شهاب أتم معنى ، وأحسن لفظا .

                                                                                                                        33168 - قال أبو عمر : في المدونة عن مالك ، وابن القاسم ، وأشهب : إذا كان الإمام عدلا أخذت الإبل ، ودفعت إليه ليعرفها ، فإن جاء صاحبها ، وإلا ردها إلى المكان الذي وجدها فيه .

                                                                                                                        33169 - قال ابن القاسم : هذا رأي على ما روي عن عمر ذلك .

                                                                                                                        [ ص: 350 ] 33170 - وقال أشهب : إن لم يأت ربها باعها ، وأمسك ثمنها; على ما جاء عن عثمان .

                                                                                                                        33171 - قالوا : وإن كان الإمام غير عدل لم تؤخذ ضالة الإبل ، وتركت في مكانها .

                                                                                                                        33172 - وأما ضالة البقر ، فقال ابن القاسم : إن كانت بموضع يخاف عليها ، فهي بمنزلة الشاة ، وإن كان لا يخاف عليها ، فهي بمنزلة البعير .

                                                                                                                        33173 - وروى ابن وهب ، عن مالك مثل ذلك .

                                                                                                                        33174 - وقال أشهب : إن كان لها من أنفسها منعة في المرعى كالإبل ، فهي كالإبل ، وإن لم تكن فهي كالغنم .

                                                                                                                        33175 - وقال الشافعي : ليس البقر ، والإبل كالغنم ; لأن الغنم لا تدفع عن نفسها ، والإبل والبقر تدفع عن أنفسها ، وتردان المياه ، وإن تباعدت ، وتعيشان في المرعى ، والمشرب بلا راع ، فليس لأحد أن يعرض لواحدة منها .

                                                                                                                        33176 - قال : والخيل ، والبغال ، والحمير كالبعير ; لأن كلها قوي ممتنع من صغار السباع بعيد الأثر في الأرض كالظبي ، والأرنب ، والطير المنعتة بالاحتيال والسرعة .

                                                                                                                        33177 - وقال في موضع آخر : جاء النص في الإبل ، والبقر قياسا عليها .

                                                                                                                        33178 - قال أبو عمر : ذهب مالك ، والشافعي في ضوال الإبل إلى قول عمر بن الخطاب إن البعير لا يؤخذ ، ويترك حيث وجد .

                                                                                                                        [ ص: 351 ] 33179 - وبه قال الأوزاعي ، والليث بن سعد .

                                                                                                                        33180 - وأما الكوفيون ، فلم يقولوا بما روي عن عمر في الضوال .

                                                                                                                        33181 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : سواء كانت اللقطة بعيرا ، أو شاة ، أو بقرة ، أو حمارا ، أو بغلا ، أو فرسا يأخذ ذلك الواجد له ، ويعرفه ، وينفق عليه ، فإن جاء صاحبه ، فاستحقه ، كان متبرعا بما أنفق ، إلا أن يكون أنفق بأمر القاضي ، فيكون ما أنفق على الضالة دينا في رقبتها ، فإن جاء صاحبها ، دفع ذلك إليه ، وإلا بيعت له ، وأخذ نفقته من ثمنها ، فإن رأى القاضي قبل مجيء صاحبها الأمر ببيعها ; لما رآه في ذلك من الصلاح لصاحبها أمر ببيعها ، ويحفظ ثمنها على صاحبها ، وإن كان غلاما أجره القاضي وأنفق عليه من أجرته ، وأن ذلك في الدابة أيضا فعله .

                                                                                                                        33182 - قالوا : ومن وجد بعيرا ضالا ، فالأفضل له أخذه ، وتعريفه ، وألا يتركه ، فيكون سببا لضياعه وقد ذكرنا حجتهم في ذلك فيما تقدم ، والحمد لله كثيرا .




                                                                                                                        الخدمات العلمية