الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن الحوادث في سنة تسع عشرة من مولده صلى الله عليه وسلم

هلاك هرمز بن كسرى ، فإنهم قتلوه بعد خلعه ، وكانت ولايته إحدى عشرة سنة وسبعة أشهر ، وعشرة أيام .

وقال هشام بن محمد : كانت ولايته اثنتي عشرة [سنة] .

وفيها: ولي ابنه أبرويز وكان يسمى كسرى أيضا ، وكان من أشد ملوكهم بطشا

[ ص: 304 ]

[وأنفذهم رأيا] وأبعدهم غورا ، وبلغ من النجدة والظفر ، وجمع الأموال ما لم يتهيأ لملك أكثر منه ، ولذلك سمي أبرويز ، وتفسيره بالعربية: "المظفر" .

واجتمع له تسعمائة وخمسون فيلا واتري الذكورة على الإناث ، ووضعت عنده فيلة وهي لا تتلاقح بالعراق ، فكان أحد الناس قامة وأبرعهم جمالا لا يحمله إلا فيل ، وكان قد استوحش من أبيه هرمز ، وخاف فهرب إلى أذربيجان ، فبايعه جماعة ممن كان هناك ، ثم وثب قوم على أبيه هرمز فسملوه ، فقدم أبرويز ، فتولى وتوج بتاج الملك وجلس على سريره وقال: إن ملتنا إيثار البر ، ومن رأينا أن نعمل بالخير ، وأن جدنا كسرى بن قباذ كان لكم بمنزلة الوالد ، وأن هرمز أبانا كان قاضيا عادلا ، فعليكم بلزوم السمع والطاعة .

فلما كان في اليوم الثالث أتى أباه فسجد له ، وقال: عمرك الله أيها الملك! إنك تعلم أني بريء مما أتى إليك المنافقون ، وأني إنما تواريت ولحقت بأذربيجان خوفا من إقدامك على قتلي . فصدقه هرمز ، وقال له: إن لي [إليك] يا بني حاجتين:

إحداهما: أن تنتقم لي ممن عاون على خلعي والسمل لعيني ، ولا تأخذك فيهم رأفة ، والأخرى: أن تؤنسني كل يوم بثلاثة نفر لهم إصابة رأي ، [وتأذن لهم] في الدخول علي فتواضع له أبرويز وقال: عمرك الله أيها الملك ، إن المارق بهرام قد أظلنا ومعه [ ص: 305 ] النجدة ، ولسنا نقدر أن نمد يدا إلى من آتى إليك بما آتى فإن أدالني الله على المنافق ، فأنا خليفتك ، وطوع يدك .

ثم أقبل بهرام نحو المدائن ، فخرج إليه أبرويز فالتقيا ، فقال له أبرويز: إنك يا بهرام ركن لمملكتنا وسناد لرعيتنا ، وقد رأينا أن نختار لك يوما صالحا لنوليك فيه أصبهبذة بلاد الفرس جميعا . فقال له بهرام: لكني أختار لك يوما أصلبك فيه .

فاغتاظ أبرويز ، ولم يظهر عليه أثر ذلك ، وتفرقا على الاستجاشة ، ثم خاف من بهرام فأحرز نساءه ، وشخص إلى ملك الروم ، فلما خرج بأصحابه من المدائن خافوا من بهرام أن يرد هرمز إلى الملك ويكتب إلى ملك [الروم] عنه في ردهم فيتلفوا ، فأعلموا أبرويز وسألوه الإذن في إتلاف هرمز فلم يحر جوابا [فانصرفوا] فأتلفوه خنقا ، ثم رجعوا إلى أبرويز وقالوا: سر على خير طائر . فساروا ولحقهم خيل بهرام عند دير ، فقال رجل مع أبرويز: أعطني بزتك واخرج بمن معك ، فلبسها واطلع من فوق الدير يوهمهم أنه أبرويز ، وقال: أنظرونا إلى غد ليصير في أيديكم سلما . فأمسكوا وسار أبرويز حتى أتى أنطاكية ، وكاتب موريق ملك الروم وسأله نصرته ، فأجابه وبعث إليه أخاه في ستين ألف مقاتل .

فأما بهرام فإنه دخل دور الملك بالمدائن ، وقعد على سرير الملك وتتوج ، وانقاد له الناس خوفا منه . [ ص: 306 ]

وأما أبرويز فإنه اجتمع إليه خلق كثير فسار بهم وخرج إليه بهرام ، وجرت بينهم حروب شديدة وتبارزوا ، فأخذ أبرويز رمح بهرام من يده ، وضرب به رأسه حتى انقصف ، فاضطرب على بهرام أمره ورحل نحو الترك ، وصار أبرويز إلى المدائن ، ففرق في جنود الروم عشرين ألف ألف وصرفهم إلى ملكهم ، وأقام بهرام في الترك مكرما عند ملكهم حتى احتال له أبرويز بتوجيه رجل يقال له هرمز ووجهه بجوهر نفيس وغيره ، فاحتال لخاتون امرأة الملك ولاطفها بذلك الجوهر وغيره ، حتى دست لبهرام من قتله ، فعلم الملك فطلق زوجته .

التالي السابق


الخدمات العلمية