الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3674 ) فصل : وليس للمضارب دفع المال إلى آخر مضاربة . نص عليه أحمد ، في رواية الأثرم ، وحرب ، وعبد الله ، قال : إن أذن له رب المال ، وإلا فلا . وخرج القاضي وجها في جواز ذلك ، بناء على توكيل الوكيل من غير إذن الموكل . ولا يصح هذا التخريج ، وقياسه على الوكيل ممتنع لوجهين ; أحدهما ، أنه إنما دفع إليه المال هاهنا ليضارب به ، وبدفعه إلى غيره مضاربة يخرج عن كونه مضاربا به ، بخلاف الوكيل . الثاني ، أن هذا يوجب في المال حقا لغيره ، ولا يجوز إيجاب حق في مال إنسان بغير إذنه وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ولا أعرف عن غيرهم خلافهم . فإن فعل ، فلم يتلف المال ، ولا ظهر فيه ربح ، رده إلى مالكه ، ولا شيء له ولا عليه

                                                                                                                                            [ ص: 29 ] وإن تلف ، أو ربح فيه ، فقال الشريف أبو جعفر : هو في الضمان والتصرف كالغاصب ، ولرب المال مطالبة من شاء منهما برد المال إن كان باقيا ، وبرد بدله إن كان تالفا ، أو تعذر رده ، فإن طالب الأول ، وضمنه قيمة التالف ، ولم يكن الثاني علم بالحال ، لم يرجع عليه بشيء ; لأنه دفعه إليه على وجه الأمانة . وإن علم بالحال ، رجع عليه ; لأنه قبض مال غيره على سبيل العدوان ، وتلف تحت يده ، فاستقر ضمانه عليه وإن ضمن الثاني مع علمه بالحال ، لم يرجع على الأول .

                                                                                                                                            وإن لم يعلم ، فهل يرجع على الأول ؟ على وجهين ; : أحدهما ، يرجع عليه ; لأنه غره ، فأشبه ما لو غره بحرية أمة . والثاني : لا يرجع ; لأن التلف كان في يده ، فاستقر الضمان عليه . وإن ربح في المال ، فالربح لمالكه ، ولا شيء للمضارب الأول ; لأنه لم يوجد منه مال ولا عمل .

                                                                                                                                            وهل للثاني أجر مثله ؟ على روايتين : إحداهما ، له ذلك ; لأنه عمل في مال غيره بعوض لم يسلم له ، فكان له أجر مثله ، كالمضاربة الفاسدة .

                                                                                                                                            والثانية : لا شيء له ; لأنه عمل في مال غيره بغير إذنه ، فلم يستحق لذلك عوضا ، كالغاصب . وفارق المضاربة ; لأنه عمل في ماله بإذنه . وسواء اشترى بعين المال أو في الذمة . ويحتمل أنه إذا اشترى في الذمة يكون الربح له ، لأنه ربح فيما اشتراه في ذمته مما لم يقع في الشراء فيه لغيره فأشبه ما لو لم ينقد الثمن من مال رب المال .

                                                                                                                                            قال الشريف أبو جعفر : هذا قول أكثرهم . يعني قول مالك والشافعي ، وأبي حنيفة ويحتمل أنه إن كان عالما بالحال ، فلا شيء للعامل ، كالغاصب ، وإن جهل الحال ، فله أجر مثله ، يرجع به على المضارب الأول ; لأنه غره ، واستعمله بعوض لم يحصل له ، فوجب أجره عليه ، كما لو استعمله في مال نفسه . وقال القاضي : إن اشترى بعين المال ، فالشراء باطل . وإن كان اشترى في الذمة ، ثم نقد المال ، وكان قد شرط رب المال للمضارب النصف ، فدفعه المضارب إلى آخر ، على أن يكون لرب المال النصف ، والنصف الآخر بينهما ; فهو على ما اتفقوا عليه ; لأن رب المال رضي بنصف الربح فلا يدفع إليه أكثر منه ، والعاملان على ما اتفقا عليه .

                                                                                                                                            وهذا قول قديم للشافعي وليس هذا موافقا لأصول المذهب ، ولا لنص أحمد فإن أحمد قال : لا يطيب الربح للمضارب . ولأن المضارب الأول ليس له عمل ولا مال ، ولا يستحق الربح في المضاربة إلا بواحد منهما ، والعامل الثاني عمل في مال غيره بغير إذنه ولا شرطه ، فلم يستحق ما شرطه له غيره كما لو دفعه إليه الغاصب مضاربة ، ولأنه إذا لم يستحق ما شرطه له رب المال في المضاربة الفاسدة ، فما شرطه له غيره بغير إذنه أولى .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية