الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ، ( ويحرم ) على محرم وحلال ( قطع ) أو قلع ( نبات الحرم ) الرطب وكان بعض أصله فيه : أي في الحرم مباحا كان أو مملوكا ( الذي لا يستنبت ) بالبناء للمفعول : أي من شأنه أن لا يستنبته الآدميون بأن ينبت بنفسه كالطرفاء شجرا أو غيره لقوله في الخبر المار { ولا يعضد شجره } أي لا يقطع { ولا يختلى خلاه } وهو بالقصر الحشيش الرطب وقيس بمكة باقي الحرم ، وفهم مما مر أنه لو غرست شجرة حرمية في الحل أو عكسه لم تنتقل الحرمة عنها في الأولى ولا إليها في الثانية ، بخلاف صيد دخل الحرم ، إذ للشجر أصل ثابت فاعتبر منبته ، بخلاف الصيد فاعتبر مكانه ولا تضمن حرمية نقلت من الحرم إليه إن نبتت وكذا إلى الحل ، لكن يجب ردها محافظة على حرمتها وإلا ضمنها كما قاله جمع واعتمده السبكي وغيره : أي بما بين قيمتها محترمة وغير محترمة ، ومن قلعها من الحل استقر عليه ضمانها وفهم أيضا أنه لا يضمن غصنا في الحرم أصله في الحل نظرا لأصله وإن ضمن صيدا فوقه لذلك .

                                                                                                                            قال الفوراني : ولو غرس في الحل نواة شجرة حرمية ثبت لها حكم الأصل ، ويحرم قطع شجرة أصلها في الحل والحرم تغليبا للحرمة ، وخرج بالرطب اليابس ، فلا يحرم قطعه ولا قلعه ; لأنه ليس نابتا في الحرم بل مغروز فيه بشرط موت أصله [ ص: 354 ] ولم يرج نباته وإلا لم يحل بخلاف قطعه فيحل مطلقا ، وإنما لم يأت نظير هذا التفصيل في الشجر اليابس ; لأنه يستخلف مع القطع ولا كذلك الشجر ، فإن في المجموع : وإطلاق الحشيش على الرطب مجاز فإنه حقيقة في اليابس وإنما يقال للرطب كلأ وعشب ، ولو أخذ غصنا من شجرة حرمية فأخلف مثله في سنته بأن كان لطيفا كالسواك فلا ضمان فيه فإن لم يخلف أو أخلف لا مثله أو مثله لا في سنته فعليه الضمان ، فإن أخلف مثله بعد وجوب ضمانه لم يسقط الضمان كما لو قلع سن مثغور فنبتت ، ويجوز أخذ أوراق الشجر بلا خبط لئلا يضر بها ، إذ خبطها حرام كما في المجموع نقلا عن الأصحاب ، ونقل اتفاقهم على جواز أخذ ثمرها وعود السواك ونحوه ، وقضيته أنه لا يضمن الغصن اللطيف وإن لم يخلف قال الأذرعي : وهو الأقرب .

                                                                                                                            قال الشيخ : لكنه مخالف لما مر انتهى ، والأوجه حمل ما هنا على ما هناك ( والأظهر تعلق الضمان به ) أي بقطع نبات الحرم الرطب ، وهو شامل للشجر كما مر فقوله ( وبقطع أشجاره ) من ذكر الخاص بعد العام للاهتمام ( ففي ) أي يجب في قطع أو قلع ( الشجرة ) الحرمية ( الكبيرة ) بأن تسمى كبيرة عرفا ( بقرة ) كما رواه الشافعي عن ابن الزبير ولا يقال مثله إلا بتوقيف ، وسواء أخلفت الشجرة أم لا ، والبدنة في معنى البقرة كما في الروضة ، وإنما لم يسمحوا بها عن البقرة ولا عن الشاة في جزاء الصيد لمراعاتهم المثلية فيه بخلافه هنا ( و ) في ( الصغيرة ) إن قاربت سبع الكبيرة ( شاة ) فإن صغرت جدا ففيها القيمة .

                                                                                                                            قال الزركشي وسكت الرافعي عما جاوز سبع الكبيرة ولم ينته إلى حد الكبر ، وينبغي أن يجب فيه شاة أعظم من الواجبة في سبع الكبيرة ا هـ .

                                                                                                                            وسكت المصنف عن الواجب في غير الشجر من النبات ، والواجب فيه القيمة ; لأنه القياس ولم يرد نص بدفعه ولم يتعرض المصنف كالرافعي لسن البقرة والشاة .

                                                                                                                            والأوجه اشتراط إجزائهما في الأضحية خلافا لبعضهم وإن جرى الإسنوي على الفرق بين الشاة والبقرة ، وكلام المصنف يقتضي وجوب البقرة أو الشاة بمجرد القطع ولا يتوقف على قلع الشجرة ، وكلام التنبيه يقتضي التوقف عليه ، ولم يصرحا في الشرحين والروضة بالمسألة نعم عبر الرافعي بالتامة ، ولعله احترز به عن قطع الغصن ( قلت : و ) كذا ( المستنبت ) بفتح الموحدة ، [ ص: 355 ] وهو ما استنبته الآدميون من الشجر ( كغيره ) في الحرمة والضمان ( على المذهب ) وهو القول الأظهر لعموم الحديث .

                                                                                                                            والثاني المنع تشبيها له بالزرع : أي كالحنطة والشعير والبقول والخضراوات فإنه يجوز قطعه ولا ضمان فيه بلا خلاف . قاله في المجموع ، وكالزرع ما نبت بنفسه ( ويحل ) من شجر الحرم ( الإذخر ) قلعا وقطعا لاستثنائه في الخبر المار .

                                                                                                                            قال العباس { يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم وبيوتهم ، فقال صلى الله عليه وسلم إلا الإذخر } ومعنى كونه لبيوتهم أنهم يسقفونها بضم القاف فوق الخشب ، والقين الحداد ، وظاهر إطلاق المصنف جواز تصرف الآخذ لذلك بجميع التصرفات من بيع أو غيره ، وهو ما عبر به الوالد رحمه الله تعالى في فتاويه بقوله قد يقال يجوز بيعه لخبر العباس : إلا الإذخر ، فيشمل من أخذه لينتفع بثمنه ، وقد قالوا : إن الإذخر مباح ، ثم عقبه بقوله ويجاب بأنه إنما أبيح لحاجة في جهة خاصة ، وقد قالوا : لا يجوز بيع شيء من شجر الحرم والبقيع ( وكذا ) ( الشوك ) يحل شجره ( كالعوسج ) جمع عوسجة نوع من الشوك ( وغيره ) من كل مؤذ كالمنتشر من الأغصان المضرة في طريق الناس ( عند الجمهور ) كالصيد المؤذي ، وقد أجاب في المجموع عن خبر الصحيحين { ولا يعضد شوكه } بأنه مخصص بالقياس على الفواسق الخمس ، وما اعترضه السبكي بأنه لا يتناول غيره فكيف يجيء التخصيص ؟ يرد بأنه متناول لما في الطرقات وغيره فيخص بغير ما في الطرقات ; لأنه لا يؤذي ، وقيل يحرم ويجب الضمان بقطعه ، وصححه المصنف في شرح مسلم ، وفرق بينه وبين الصيود المؤذية بأنها تقصد الأذى بخلاف الشجر .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ويحرم قطع نبات الحرم ) أي ما نبت فيه وإن نقل إلى غيره ، بخلاف غيره فلا يحرم وإن نقل إلى الحرم كما يأتي ( قوله : وفهم مما مر ) أي في قوله نبات الحرم ( قوله : بخلاف صيد دخل الحرم ) أي أو أخرج منه ( قوله : لا يضمن غصنا في الحرم أصله في الحل ) أي بخلاف عكسه فيهما فيضمن أغصان شجرة في الحل أصلها في الحرم ، ولا يضمن صيدا على أغصانها ; لأنه ليس في المحرم ( قوله وإن ضمن صيدا فوقه لذلك ) أي لكونه في هواء الحرم ( قوله : ثبت لها حكم الأصل ) وقياسه أنه [ ص: 354 ] لو غرس في الحرم نواة من شجرة حلية لم تثبت الحرمة لها ، ويؤيده ما سيأتي من أنه لو نقل تراب الحل إلى الحرم ، لم تثبت الحرمة اعتبارا بأصله ، وقد يشمل ذلك قول حج .

                                                                                                                            أما ما استنبت في الحرم مما أصله من الحل فلا شيء فيه ( قوله : وإلا لم يحل ) أي وإلا يرج نباته لم تحل ( قوله : فيحل مطلقا ) مات أصله أم لا ( قوله : فإن حقيقة إلخ ) وفي نسخة فإن حقيقة اليابس ( قوله : أو مثله لا في سنته فعليه الضمان ) أي بالقيمة على ما يأتي ، وقضيته أنها لو اختلفت في سنته دونه ضمنها ضمان الكل لا التفاوت بين قيمة المقطوع وما أخلف ( قوله : لئلا يضر بها ) من أضر فهو بضم الياء ( قوله : وسواء أخلفت الشجرة أم لا ) وعليه فيفرق بين الشجرة والغصن بأن الغصن اللطيف من شأنه الإخلاف ولا كذلك الشجرة ، ثم رأيت فيحج ما نصه : وكان الفرق بينه : أي الحشيش وبين غصن الشجرة حيث فصلوا فيه بين الشجر إذا أخذ من أصله يضمن وإن أخلف في سنته كما اقتضاه إطلاقهم أيضا أن الشجر يحتاط له أكثر ، إذ لا فرق فيه بين المستنبت وغيره ويضمن بالحيوان بخلاف الحشيش فيهما ( قوله : والبدنة في معنى البقرة ) أي بل هي أفضل من البقرة ( قوله : وإنما لم يسمحوا بها عن البقرة ) أي بأن يقولوا بإجزائها عنها ( قوله قال الزركشي وسكت الرافعي ) لعل المراد سكت عن التصريح به ، وإلا فقول الرافعي في الشرح على ما نقله الشارح عنه أن ما دون الكبيرة يضمن بشاة صادق بالقريبة من الكبيرة .

                                                                                                                            ( قوله : أعظم من الواجبة ) وينبغي أن يراعى في العظم [ ص: 355 ] النسبة بين الصغيرة وما زاد عليها ولم ينته إلى حد الكبيرة ، فإذا كان قيمة المجزئة في الصغيرة درهما والزائدة عليها في المقدار بلغت نصف الشجرة اعتبر في الشاة المجزئة فيها أن تساوي ثلاثة دراهم ونصف درهم ; لأن الصغيرة بسبع من الكبيرة تقريبا وهذه مقدار النصف ، والتفاوت بينهما سبعان ونصف سبع ، ونظير هذا ما مر في الزكاة من أنه يشترط في الفصيل أو ابن اللبون زيادة قيمته على المأخوذ في خمس وعشرين بما بينهما من التفاوت ( قوله وهو ما استنبته الآدميون من الشجر ) أي من الزرع ( قوله : وكالزرع ما نبت بنفسه ) لعل المراد مما من شأنه أن يستنبته الناس كحنطة حملها سيل أو هواء ( قوله : الإذخر ) بالذال المعجمة انتهى محلي ( قوله : وقد قالوا لا يجوز بيع شيء من شجر الحرم ) أي فيحرم بيعه ولا يصح خلافا لحج ( قوله من الأغصان المضرة في طريق الناس ) مفهوهه أن الأغصان المضرة بالشجر نفسه ككثرة جريد النخل مثلا لا يجوز قطعه ، وينبغي الجواز في هذه الحالة لما فيه من الإصلاح ( قوله : يرد بأنه إلخ ) لكن هذا يتوقف على حرمة قطع السواك من غير الطريق .

                                                                                                                            وقضية المتن خلافه



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وكان بعض أصله فيه ) لعله أو كان بعض أصله فيه بزيادة همزة قبل الواو وإلا فلا معنى لتقييده المتن بذلك فليراجع ( قوله ولا يضمن حرميه نقلت إلخ ) أن لا يضمنها الضمان الآتي بالبقرة أو الشاة فلا ينافي ما يأتي في قوله وإلا ضمنها كما قاله جمع إلخ ( قوله : وإلا ) أي بأن لم يردها .

                                                                                                                            والصورة أنها نبتت فمعنى ضمانها تعلقه به ، ومعلوم أنها إذا لم تنبت أنه يضمنها بالبقرة أو الشاة ( قوله : ومن قطعها من الحل ) في بعض النسخ قلعها ، والمراد من قطعها أو قلعها من الحل بعد غرس الأول لها فيه يكون فعله قاطعا لحكم فعل الأول وينتقل الضمان إليه فليراجع ( قوله : وفهم أيضا إلخ ) عبارة الإمداد : وأفهم أيضا أنه لا يضمن غصنا في الحرم أصله في الحل نظرا لأصله وإن ضمن صيدا فوقه نظرا لمكانه ، وأنه يضمن غصنا في الحل أصله في الحرم وإن لم يضمن الصيد فوقه لذلك انتهت .

                                                                                                                            فلعل الجملة الأولى سقطت من نسخ الشارح ، إذ من جملتها مرجع الضمير ( قوله : ويحرم قطع شجرة أصلها في الحل والحرم ) تقدم هذا في كلامه أيضا ( قوله : بشرط موت أصله ) هنا سقط في [ ص: 354 ] النسخ ، ولعل الساقط عقب قوله بل هو مغروز فيه نحو قوله كقلع حشيشه وقطعه فإنه إنما يحرم إن كان أخضر ، بخلاف اليابس فإنه يحل قطعة بشرط إلخ ، وهو مأخوذ من الإرشاد وشرحه ( قوله وكذا بعد قول المتن قلت ) [ ص: 355 ] لا حاجة إليه بل الأولى حذفه ( قوله : يرد بأنه متناول لما في الطرقات وغيره ) هذا الرد لا يلاقي اعتراضالسبكي ، إذ هو مبني على أن الشوك كله مؤذ : أي إما بالفعل أو بالقوة ، ومن ثم رد الشهاب حج هذا الرد بقولهم : لا فرق [ ص: 356 ] بين ما في الطريق وغيرها الصريح في أن المراد المؤذي بالفعل أو القوة




                                                                                                                            الخدمات العلمية