الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 288 ] [ ص: 289 ] سورة الصافات

                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      آ . (1) قوله : والصافات صفا : قرأ أبو عمرو وحمزة بإدغام التاء من الصافات ، والزاجرات والتاليات ، في صاد " صفا " وزاي " زجرا " وذال " ذكرا " ، وكذلك فعلا في والذاريات ذروا وفي فالملقيات ذكرا وفي " العاديات ضبحا " بخلاف عن خلاد في الأخيرين . وأبو عمرو جار على أصله في إدغام المتقاربين كما هو المعروف من أصله . وحمزة خارج عن أصله ، والفرق بين مذهبيهما أن أبا عمرو يجيز الروم ، وحمزة لا يجيزه . وهذا كما اتفقا في إدغام بيت طائفة في سورة النساء ، وإن كان ليس من أصل حمزة إدغام مثله . وقرأ الباقون بإظهار جميع ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      ومفعول " الصافات " و " الزاجرات " غير مراد ; إذ المعنى : الفاعلات لذلك . وأعرب أبو البقاء " صفا " مفعولا به على أنه قد يقع على المصفوف .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 290 ] قلت : وهذا ضعيف . وقيل : هو مراد . والمعنى : والصافات أنفسها وهم الملائكة أو المجاهدون أو المصلون ، أو الصافات أجنحتها وهي الطير ، كقوله : والطير صافات ، والزاجرات السحاب أو العصاة إن أريد بهم العلماء . والزجر : الدفع بقوة وهو قوة التصويت . وأنشد :


                                                                                                                                                                                                                                      3789 - زجر أبي عروة السباع إذا أشفق أن يختلطن بالغنم



                                                                                                                                                                                                                                      وزجرت الإبل والغنم : إذا فزعت من صوتك . وأما " والتاليات " فيجوز أن يكون " ذكرا " مفعوله . والمراد بالذكر : القرآن وغيره من تسبيح وتحميد . ويجوز أن يكون " ذكرا " مصدرا أيضا من معنى التاليات . وهذا أوفق لما قبله . قال الزمخشري : " الفاء في فالزاجرات فالتاليات : إما أن تدل على ترتب معانيها في الوجود كقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      3790 - يا لهف زيابة للحارث الصا     بح فالغانم فالآيب



                                                                                                                                                                                                                                      كأنه قال : الذي صبح فغنم فآب ، وإما على ترتبهما في التفاوت من بعض الوجوه ، كقوله : خذ الأفضل فالأكمل ، واعمل الأحسن فالأجمل ، وإما على ترتب موصوفاتها في ذلك كقولك : " رحم الله المحلقين فالمقصرين " فأما هنا فإن وحدت الموصوف كانت للدلالة على ترتب الصفات في التفاضل . فإذا كان الموحد الملائكة فيكون الفضل للصف ثم للزجر ثم للتلاوة ، وإما على [ ص: 291 ] العكس . وإن ثلثت الموصوف فترتب في الفضل ، فتكون الصافات ذوات فضل ، والزاجرات أفضل ، والتاليات أبهر فضلا ، أو على العكس " يعني بالعكس في الموضعين أنك ترتقي من أفضل إلى فاضل إلى مفضول ، أو يبدأ بالأدنى ثم بالفاضل ثم بالأفضل .

                                                                                                                                                                                                                                      والواو في هذه للقسم ، والجواب قوله : إن إلهكم لواحد . وقد عرفت الكلام في الواو الثانية والثالثة : هل هي للقسم أو للعطف ؟

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية