الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        [ ص: 50 ] ( 4 ) باب أمر الحامل والمريض والذي يحضر القتال في أموالهم .

                                                                                                                        1467 - قال مالك : أحسن ما سمعت في وصية الحامل وفي قضاياها في مالها وما يجوز لها ، أن الحامل كالمريض ، فإذا كان المرض الخفيف غير المخوف على صاحبه ، فإن صاحبه يصنع في ماله ما يشاء ، وإذا كان المرض المخوف عليه ، لم يجز لصاحبه شيء ، إلا في ثلثه .

                                                                                                                        قال : وكذلك المرأة الحامل ، أول حملها بشر وسرور ، وليس بمرض ولا خوف; لأن الله تبارك وتعالى قال في كتابه : فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب [ هود : 71 ] وقال : حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين [ الأعراف : 189 ] .

                                                                                                                        فالمرأة الحامل إذا أثقلت لم يجز لها قضاء إلا في ثلثها ، فأول الإتمام ستة أشهر ، قال الله تبارك وتعالى في كتابه : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين [ البقرة : 233 ] وقال : وحمله وفصاله ثلاثون شهرا [ ص: 51 ] [ الأحقاف : 15 ] فإذا مضت للحامل ستة أشهر من يوم حملت لم يجز لها قضاء في مالها ، إلا في الثلث .

                                                                                                                        قال مالك في الرجل يحضر القتال : إنه إذا زحف في الصف للقتال ، لم يجز له أن يقضي في ماله شيئا ، إلا في الثلث ، وإنه بمنزلة الحامل والمريض المخوف عليه ، ما كان بتلك الحال .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        33432 - قال أبو عمر : أصل علامات المرض الذي يلزم به صاحبه الفراش ، ولا يعذر معه على شيء من التصرف ، ويغلب على القلوب أنه يتخوف عليه منه الموت إذا كانت هذه حال المريض .

                                                                                                                        33433 - فالعلماء مجمعون قديما وحديثا على أنه لا يجوز له أن يقضي في ماله بأكثر من الثلث .

                                                                                                                        33434 - وأما الحامل ، فأجمعوا على أن ما دون ستة أشهر من حملها هي فيه كالصحيح في أفعاله ، وتصرفه في ماله .

                                                                                                                        33435 - وأجمعوا أيضا أنها إذا ضربها المخاض ، والطلق أنها كالمريض المخوف عليه ، لا ينفذ لها في مالها أكثر من ثلثها .

                                                                                                                        33436 - واختلفوا في حالها إذا بلغت ستة أشهر من حملها إلى حين يحضرها الطلق :

                                                                                                                        [ ص: 52 ] 33437 - فقال مالك ما وصفه في موطئه على ما ذكرناه .

                                                                                                                        33438 - وهو قول الليث بن سعد ، وأحمد ، وإسحاق ، وطائفة من السلف .

                                                                                                                        33439 - وقال أبو حنيفة ، والشافعي وأصحابهما ، والثوري ، وعبيد الله بن الحسن ، والأوزاعي ، وأبو ثور ، وداود : الحامل كالصحيح مالم يكن المخاض ، والطلق ، أو يحدث بها من الحمل ما تصير به صاحبة فراش .

                                                                                                                        33440 - وأجمع العلماء على أن من بلغت منه الجراح أن أنفذت مقاتله ، أو قدم للقتل في قصاص ، أو لرجم في زنا أنه لا يجوز له من القضاء في ماله إلا ما يجوز للمريض صاحب الفراش المخوف عليه .

                                                                                                                        33441 - وكذلك الذي يبرز في التحام الحرب للقتال .

                                                                                                                        33442 - وأجمع العلماء على أن عتق المريض صاحب الفراش الثقيل المرض لعبيده في مرضه إذا مات من مرضه ذلك لا ينفذ منه إلا ما يحمل ثلث ماله .

                                                                                                                        33443 - وثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمران بن حصين وغيره في الذي أعتق ستة أعبد له عند موته لم يكن له مال غيرهم ثم مات ، فأقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم ، وعتق ثلثهم اثنين ، وأرق ثلثيهم أربعة .

                                                                                                                        33444 - وأجمع الجمهور من العلماء الذين هم حجة على من خالفهم أن [ ص: 53 ] هبات المريض ، وصدقاته ، وسائر عطاياه إذا كانت حاله ما وصفنا لا ينفذ منها إلا ما حمل ثلثه . 0

                                                                                                                        33445 - وقال داود ، وأهل الظاهر : أما عتق المريض فعلى ما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي أعتق ستة أعبد له في مرضه ، لا مال له غيرهم ينفذ من ذلك الثلث .

                                                                                                                        33446 - وأما هباته ، وصدقاته وما يهديه ويعطيه ، وهو حي ، فنافذ ذلك كله جائز عليه ماض في ذلك كله; لأنه ليس بوصية ، وإنما الوصية ما يستحق بموت الموصي .

                                                                                                                        33447 - وقال الجمهور من العلماء ، وجماعة أهل الفتوى بالأمصار : إن هبات المريض كلها وعتقه ، وصدقاته ، لو صح من مرضه نفذ ذلك كله من رأس ماله ، ويراعون فيها ماعدا العتق القبض على ما ذكرنا في أصولهم من قبض الهبات ، والصدقات فيما تقدم من هذا الكتاب .

                                                                                                                        33448 - وقال داود ، وأهل الظاهر : أما العتق خاصة في المرض ، فلا ينفذ منه إلا الثلث مات المعتق من مرضه ، أو صح; لأن المرض لا يعلم ما منه الموت ، وما منه الصحة إلا الله تعالى .

                                                                                                                        33449 - وقد أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم عتق ثلث العبيد الذين أعتقهم سيدهم بالمرض ، ولا مال له غيرهم .

                                                                                                                        [ ص: 54 ] 33450 - قال أبو عمر : الحجة على داود قائمة بنص الحديث ; لأن فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أقرع بين العبيد بعد موت سيدهم ، وتغيظ عليه ، وقال : ( ( لقد هممت ألا أصلي عليه ما أعتق جميعهم ) ) ، ولم يكن له مال غيرهم .

                                                                                                                        33451 - وهذه الألفاظ محفوظة في حديث عمران بن حصين .

                                                                                                                        33452 - وقد ذكرنا كثيرا منه في ( ( التمهيد ) ) ، وفي كتاب العتق من هذا الكتاب ، والله الموفق للصواب .




                                                                                                                        الخدمات العلمية