الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6836 باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث من الأمراء والرسل واحدا بعد واحد

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي هذا باب في بيان ما كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يبعث ، وفي بعض النسخ باب ما كان يبعث النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، أما الأمراء فإنه صلى الله عليه وسلم كان أمر على مكة عتاب بن أسيد ، وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص ، وعلى البحرين ابن العلاء الحضرمي ، وعلى عمان عمرو بن العاص ، وعلى نجران أبا سفيان بن حرب ، وعلى صنعاء وسائر بلاد اليمن باذان ، ثم ابنه شهر وفيروز المهاجر بن أبي أمية وأبان بن سعيد بن العاص ، وأمر على السواحل أبا موسى الأشعري ، وعلى الجند وما معها معاذ بن جبل ، وكان كل منهما يقضي في عمله ويسير فيه ، وكانا ربما التقيا ، وأمر يزيد بن أبي سفيان على تيماء ، وثمامة بن أثال على اليمامة ، وسنذكر قصة باذان عن قريب ، وأما الرسل فإنه صلى الله تعالى عليه وسلم بعث ستة نفر مصطحبين في سنة ست من الهجرة رسلا منه إلى من نذكر ، وهم : حاطب بن أبي بلتعة أرسله إلى المقوقس صاحب الإسكندرية ، واسمه جريج بن مينا ، فمضى بكتاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إليه ، فقبل الكتاب وأكرم حاطبا وأحسن نزله وسرحه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأهدى له مع حاطب كسوة وبغلة بسرجها وجاريتين إحداهما : مارية أم إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، والأخرى وهبها صلى الله عليه وسلم لمحمد بن قيس العبدري .

                                                                                                                                                                                  وشجاع بن وهب أرسله إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك البلقاء من أرض الشام ، وقيل توجه لجبلة ، وقيل : لهما معا ، وقال ابن إسحاق : ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع [ ص: 20 ] ابن وهب إلى المنذر بن الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق ، قال شجاع : فانتهيت إليه وهو بغوطة دمشق ، فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورمى به ، وقال : ها أنا أسير إليه ، وعزم على ذلك فمنعه قيصر ، ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قال : باد ملكه .

                                                                                                                                                                                  ودحية بن خليفة أرسله إلى قيصر ملك الروم ، فأكرمه قيصر ووضع كتاب رسول الله على فخذه وسأله عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وثبت عنده صحة نبوته ، فهم بالإسلام فلم توافقه الروم فخافهم على ملكه فأمسك ، ورد دحية ردا جميلا .

                                                                                                                                                                                  وسليط بن عمرو العامري أرسله إلى هوذة بن علي ملك اليمامة فأكرمه وأنزله ، ورد الجواب بقوله : " إن جعلت لي بعض الأمر صرت إليك وأسلمت ونصرتك ، وإلا قصدت حربك ، فقال صلى الله عليه وسلم : لا ، ولا كرامة ، اللهم اكفنيه ، فمات .

                                                                                                                                                                                  وعمرو بن أمية الضمري أرسله إلى النجاشي ملك الحبشة واسمه أصحمة ، فأخذ كتاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ووضعه على عينيه ، ونزل عن سريره وجلس على الأرض ، وأسلم على يد جعفر بن أبي طالب ، ولما مات صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                  وعبد الله بن حذافة أرسله إلى كسرى إبرويز بن هرمز ، فمزق كتابه ، وقال : يكاتبني وهو عبدي ، ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قال : مزق الله ملكه ، ثم كتب كسرى إلى باذان وهو نائبه على اليمن أن ابعث إلى هذا الرجل بالحجاز رجلين من عندك جلدين فليأتياني به ، فبعث باذان قهرمانه وكان كاتبا حاسبا بكتاب فارس ، وبعث معه رجلا من الفرس يقال له خرخرة ، وكتب معهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره أن ينصرف معهما إلى كسرى ، فخرجا حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما ، فكره النظر إليهما وقال لهما : ارجعا حتى تأتياني غدا ، وأتى الخبر من السماء رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الله عز وجل قد سلط على كسرى ابنه شيرويه فقتله في شهر كذا وكذا في ليلة كذا وكذا في ساعة كذا وكذا من الليل ، فدعاهما النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرهما ، وأعطى خرخرة منطقة فيها ذهب وفضة كان أهداها له بعض الملوك ، فخرجا من عنده حتى قدما على باذان وأخبراه الخبر ، فقال : والله ما هذا بكلام ملك وإني لأرى الرجل نبيا كما يقول وليكونن ما قد قال ، فلم ينشب باذان أن قدم عليه كتاب شيرويه فيه أنه قتل كسرى في تاريخ كذا وكذا ، فلما وقف عليه قال : إن هذا الرجل لرسول ، فأسلم وأسلمت الأبناء من فارس ، وقرره النبي صلى الله عليه وسلم في موضعه ، وهو أول نائب من نوابه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم .

                                                                                                                                                                                  ويقال : إنه صلى الله عليه وسلم أرسل العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي العبدي ملك البحرين من قبل الفرس فأسلم وأسلم جميع العرب بالبحرين ، وأرسل الحارث بن عمير إلى ملك بصرى ، فلما نزل أرض مؤتة عرض له عمرو بن شرحبيل الغساني فقتله ، ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسول غيره ، وأرسل جرير بن عبد الله البجلي إلى ذي الكلاع وذي عمرو فأسلما ، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وجرير عندهما ، وأرسل السائب بن العوام وهو أخو الزبير إلى فروة عمرو الجذامي ، وكان عاملا لقيصر بعمان ، فأسلم وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبعث إليه هدية مع مسعود بن سعد ، وهي بغلة شهباء يقال لها فضة وفرس يقال لها الظرب وقباء سندس مخوص بالذهب ، فقبل صلى الله تعالى عليه وسلم هديته ، وأجاز مسعودا اثني عشر أوقية ، وأرسل عياش بن أبي ربيعة المخزومي إلى الحارث وفروخ ونعيم بن عبد كلاب من حمير ، والله أعلم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية