القول في تأويل قوله تعالى:
[ 26 ]
nindex.php?page=treesubj&link=30180_30291_30532_31955_31956_32509_34445_34447_29009nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب .
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض أي: استخلفناك على الملك في الأرض
[ ص: 5095 ] كمن يستخلفه بعض السلاطين على بعض البلاد ويملكه عليها، ومنه قولهم: خلفاء الله في أرضه:
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى أي: هوى النفس، من الميل إلى مال، أو جاه، أو قريب، أو صاحب:
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26فيضلك عن سبيل الله أي: صراطه الموصل إلى الكمالات، كحفظ المملكة، والنصر على الأعداء، والنجاة في الآخرة ورفع الدرجات فيها:
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب أي: بسبب نسيانهم، وهو ضلالهم عن السبيل، فإن تذكره يقتضي ملازمة الحق، ومخالفة الهوى.
تنبيه:
في الآية بيان وجوب الحكم بالحق، وأن لا يميل إلى أحد الخصمين لقرابة، أو رجاء، أو سبب يقتضي الميل، واستدل بها بعضهم على احتياج الأرض إلى خليفة من الله. كذا في (" الإكليل"). وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : هذه
nindex.php?page=treesubj&link=19829_19830وصية من الله عز وجل لولاة الأمور أن يحكموا بين الناس بالحق المنزل من عنده تبارك وتعالى، ولا يعدلوا عنه فيضلوا عن سبيل الله، وقد توعد تبارك وتعالى من ضل عن سبيله وتناسى يوم الحساب، بالوعيد الأكيد، والعذاب الشديد.
روى
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=12013أبي زرعة ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=15490الوليد بن عبد الملك قال له: أيحاسب الخليفة، فإنك قد قرأت الكتاب الأول وقرأت القرآن وفقهت؟ فقلت: يا أمير المؤمنين؟ أقول؟ قال: قل في أمان. قلت: يا أمير المؤمنين ! أنت أكرم على الله أو
داود عليه الصلاة والسلام؟ إن
nindex.php?page=treesubj&link=31956الله تعالى جمع له النبوة والخلافة . ثم توعده في كتابه قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض الآية.
وقال
الرازي : اعلم أن الإنسان خلق مدنيا بالطبع; لأن الإنسان الواحد لا تنتظم مصالحه إلا عند وجود مدينة تامة، حتى هذا يحرث، وذاك يطحن، وذلك يخبز، وذلك ينسج والآخر يخيط. وبالجملة، فيكون كل واحد منهم مشغولا بمهم، وينتظم من أعمال الجميع
[ ص: 5096 ] مصالح الجميع. فثبت أن الإنسان مدني بالطبع. وعند اجتماعهم في الموضع الواحد يحصل بينهم منازعات ومخاصمات، ولا بد من إنسان قادر قاهر يقطع تلك الخصومات، ويفصل تلك الحكومات. وذلك هو السلطان الذي ينفذ حكمه على الكل.
فثبت أنه لا تنتظم مصالح الخلق إلا بسلطان قاهر سائس، ثم إن ذلك السلطان القاهر السائس، إن كان حكمه على وفق هواه ولطلب مصالح دنياه، عظم ضرره على الخلق، فإنه يجعل الرعية فداء لنفسه، ويتوسل بهم إلى تحصيل مقاصد نفسه، وذلك يفضي إلى تخريب العالم، ووقوع الهرج، والمرج في الخلق. وذلك يفضي بالآخرة إلى هلاك ذلك الملك.
أما
إذا كانت أحكام ذلك الملك مطابقة للشريعة الحقة الإلهية ، انتظمت مصالح العالم، واتسعت أبواب الخيرات على أحسن الوجوه. فهذا هو المراد من قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26فاحكم بين الناس بالحق يعني
nindex.php?page=treesubj&link=19829_19830لا بد من حاكم بين الناس بالحق ، فكن أنت ذلك. ثم قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله الآية، وتفسيره أن
nindex.php?page=treesubj&link=32509_32512متابعة الهوى توجب الضلال عن سبيل الله ، والضلال عن سبيل الله يوجب سوء العذاب. فينتج أن متابعة الهوى توجب سوء العذاب. انتهى.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
[ 26 ]
nindex.php?page=treesubj&link=30180_30291_30532_31955_31956_32509_34445_34447_29009nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ أَيِ: اِسْتَخْلَفْنَاكَ عَلَى اَلْمُلْكِ فِي اَلْأَرْضِ
[ ص: 5095 ] كَمَنْ يَسْتَخْلِفُهُ بَعْضُ اَلسَّلَاطِينِ عَلَى بَعْضِ اَلْبِلَادِ وَيُمَلِّكُهُ عَلَيْهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: خُلَفَاءُ اَللَّهِ فِي أَرْضِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى أَيْ: هَوَى اَلنَّفْسِ، مِنَ اَلْمَيْلِ إِلَى مَالٍ، أَوْ جَاهٍ، أَوْ قَرِيبٍ، أَوْ صَاحِبٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَيْ: صِرَاطِهِ اَلْمُوصِلِ إِلَى اَلْكَمَالَاتِ، كَحِفْظِ اَلْمَمْلَكَةِ، وَالنَّصْرِ عَلَى اَلْأَعْدَاءِ، وَالنَّجَاةِ فِي اَلْآخِرَةِ وَرَفْعِ اَلدَّرَجَاتِ فِيهَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ أَيْ: بِسَبَبِ نِسْيَانِهِمْ، وَهُوَ ضَلَالُهُمْ عَنِ اَلسَّبِيلِ، فَإِنَّ تَذَكُّرَهُ يَقْتَضِي مُلَازَمَةَ اَلْحَقِّ، وَمُخَالَفَةَ اَلْهَوَى.
تَنْبِيهٌ:
فِي اَلْآيَةِ بَيَانُ وُجُوبِ اَلْحُكْمِ بِالْحَقِّ، وَأَنْ لَا يَمِيلَ إِلَى أَحَدِ اَلْخَصْمَيْنِ لِقَرَابَةٍ، أَوْ رَجَاءٍ، أَوْ سَبَبٍ يَقْتَضِي اَلْمَيْلَ، وَاسْتَدَلَّ بِهَا بَعْضُهُمْ عَلَى اِحْتِيَاجِ اَلْأَرْضِ إِلَى خَلِيفَةٍ مِنَ اَللَّهِ. كَذَا فِي (" اَلْإِكْلِيلِ"). وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16456اِبْنُ كَثِيرٍ : هَذِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=19829_19830وَصِيَّةٌ مِنَ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِوُلَاةِ اَلْأُمُورِ أَنْ يَحْكُمُوا بَيْنَ اَلنَّاسِ بِالْحَقِّ اَلْمُنَزَّلِ مِنْ عِنْدِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَلَا يَعْدِلُوا عَنْهُ فَيَضِلُّوا عَنْ سَبِيلِ اَللَّهِ، وَقَدْ تَوَعَّدَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَتَنَاسَى يَوْمَ اَلْحِسَابِ، بِالْوَعِيدِ اَلْأَكِيدِ، وَالْعَذَابِ اَلشَّدِيدِ.
رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=11970اِبْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12013أَبِي زَرْعَةَ ، أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=15490اَلْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ اَلْمَلِكِ قَالَ لَهُ: أَيُحَاسَبُ اَلْخَلِيفَةُ، فَإِنَّكَ قَدْ قَرَأْتَ اَلْكِتَابَ اَلْأَوَّلَ وَقَرَأْتَ اَلْقُرْآنَ وَفَقِهْتَ؟ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ؟ أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ فِي أَمَانٍ. قُلْتُ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ! أَنْتَ أَكْرَمُ عَلَى اَللَّهِ أَوْ
دَاوُدُ عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؟ إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31956اَللَّهَ تَعَالَى جَمَعَ لَهُ اَلنُّبُوَّةَ وَالْخِلَافَةَ . ثُمَّ تَوَعَّدَهُ فِي كِتَابِهِ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ اَلْآيَةَ.
وَقَالَ
الرَّازِيُّ : اِعْلَمْ أَنَّ اَلْإِنْسَانَ خُلِقَ مَدَنِيًّا بِالطَّبْعِ; لِأَنَّ اَلْإِنْسَانَ اَلْوَاحِدَ لَا تَنْتَظِمُ مَصَالِحُهُ إِلَّا عِنْدَ وُجُودِ مَدِينَةٍ تَامَّةٍ، حَتَّى هَذَا يَحْرُثُ، وَذَاكَ يَطْحَنُ، وَذَلِكَ يَخْبِزُ، وَذَلِكَ يَنْسِجُ وَالْآخَرُ يَخِيطُ. وَبِالْجُمْلَةِ، فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَشْغُولًا بِمُهِمٍّ، وَيَنْتَظِمُ مِنْ أَعْمَالِ اَلْجَمِيعِ
[ ص: 5096 ] مَصَالِحُ اَلْجَمِيعِ. فَثَبَتَ أَنَّ اَلْإِنْسَانَ مَدَنِيٌّ بِالطَّبْعِ. وَعِنْدَ اِجْتِمَاعِهِمْ فِي اَلْمَوْضِعِ اَلْوَاحِدِ يَحْصُلُ بَيْنَهُمْ مُنَازَعَاتٌ وَمُخَاصَمَاتٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ إِنْسَانٍ قَادِرٍ قَاهِرٍ يَقْطَعُ تِلْكَ اَلْخُصُومَاتِ، وَيَفْصِلُ تِلْكَ اَلْحُكُومَاتِ. وَذَلِكَ هُوَ اَلسُّلْطَانُ اَلَّذِي يَنَفُذُ حُكْمُهُ عَلَى اَلْكُلِّ.
فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا تَنْتَظِمُ مَصَالِحُ اَلْخَلْقِ إِلَّا بِسُلْطَانٍ قَاهِرٍ سَائِسٍ، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ اَلسُّلْطَانَ اَلْقَاهِرَ اَلسَّائِسَ، إِنْ كَانَ حُكْمُهُ عَلَى وَفْقِ هَوَاهُ وَلِطَلَبِ مَصَالِحِ دُنْيَاهُ، عَظُمَ ضَرَرُهُ عَلَى اَلْخَلْقِ، فَإِنَّهُ يَجْعَلُ اَلرَّعِيَّةَ فِدَاءً لِنَفْسِهِ، وَيَتَوَسَّلُ بِهِمْ إِلَى تَحْصِيلِ مَقَاصِدِ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى تَخْرِيبِ اَلْعَالَمِ، وَوُقُوعِ اَلْهَرَجِ، وَالْمَرَجِ فِي اَلْخَلْقِ. وَذَلِكَ يُفْضِي بِالْآخِرَةِ إِلَى هَلَاكِ ذَلِكَ اَلْمُلْكِ.
أَمَّا
إِذَا كَانَتْ أَحْكَامُ ذَلِكَ اَلْمَلِكِ مُطَابِقَةً لِلشَّرِيعَةِ اَلْحَقَّةِ اَلْإِلَهِيَّةِ ، اِنْتَظَمَتْ مَصَالِحُ اَلْعَالَمِ، وَاتَّسَعَتْ أَبْوَابِ اَلْخَيْرَاتِ عَلَى أَحْسَنِ اَلْوُجُوهِ. فَهَذَا هُوَ اَلْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ يَعْنِي
nindex.php?page=treesubj&link=19829_19830لَا بُدَّ مِنْ حَاكِمٍ بَيْنَ اَلنَّاسِ بِالْحَقِّ ، فَكُنْ أَنْتَ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اَلْآيَةَ، وَتَفْسِيرُهُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32509_32512مُتَابَعَةَ اَلْهَوَى تُوجِبُ اَلضَّلَالَ عَنْ سَبِيلِ اَللَّهِ ، وَالضَّلَالُ عَنْ سَبِيلِ اَللَّهِ يُوجِبُ سُوءَ اَلْعَذَابِ. فَيَنْتِجُ أَنَّ مُتَابَعَةَ اَلْهَوَى تُوجِبُ سُوءَ اَلْعَذَابِ. اِنْتَهَى.