الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن الحوادث في سنة عشرين من مولده صلى الله عليه وسلم

حرب الفجار الثاني عند بعض الرواة . وقد سبق ذكره .

ومن الحوادث هذه السنة : حلف الفضول :

وحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم . قاله ابن قتيبة .

سببه: أن قريشا كانت تتظالم في الحرم فقام عبد الله بن جدعان والزبير بن عبد المطلب ، فدعوا إلى التحالف على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم ، فأجابوهما ، وتحالفوا في دار ابن جدعان .

أنبأنا يحيى بن الحسين بن البنا قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال: أخبرنا المخلص قال: أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي قال: أخبرنا الزبير بن بكار قال:

حدثني أبو الحسن الأثرم ، عن أبي عبيدة قال:

كان سبب حلف الفضول أن رجلا من أهل اليمن قدم مكة ببضاعة فاشتراها رجل [ ص: 309 ] من بني سهم فلوى الرجل بحقه ، فسأله ماله فأبى عليه ، فسأله [متاعه] فأبى عليه ، فقام على الحجر وجعل يقول :


يال قصي لمظلوم بضاعته ببطن مكة نائي الدار والنفر     أقائم من بني سهم بذمتهم
أم ذاهب في ضلال مال معتمر

قال: وقال بعض العلماء: إن قيس بن شبة السلمي باع متاعا من أبي بن خلف فلواه وذهب بحقه ، فاستجار برجل من بني جمح فلم يقم بجواره ، فقال قيس بن شبة :


يال قصي كيف هذا في الحرم     وحرمة البيت وأخلاقه الكرم


أظلم لا يمنع مني من ظلم



فقام العباس وأبو سفيان حتى ردا عليه ، فاجتمعت بطون من قريش في دار عبد الله بن جدعان فتحالفوا على رد المظالم بمكة وأن لا يظلم أحد إلا منعوه وأخذوا له بحقه ، وكان حلفهم في دار عبد الله بن جدعان .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد شهدت حلفا في دار [عبد الله] بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم ، ولو دعيت به لأجبت . فقال [قوم] من قريش: هذا والله فضل من الحلف فسمي حلف الفضول .

قال الزبير: وقال آخرون: تحالفوا على مثل حلف تحالف عليه قوم من جرهم في هذا الأمر ، أن لا يقروا ظلما ببطن مكة إلا غيروه ، وأسماؤهم: الفضل بن شراعة ، والفضل بن بضاعة ، والفضل بن قضاعة . [ ص: 310 ]

قال مؤلف الكتاب : والله أعلم أي ذلك كان .

قال الزبير : وحدثني عبد العزيز ابن عم العنسي قال:

أهل حلف الفضول : بنو هاشم ، وبنو المطلب ، وبنو أسد بن عبد العزى ، وبنو زهرة ، وبنو تيم ، تحالفوا بينهم بالله أن لا يظلم أحد إلا كنا حمية مع المظلوم على الظالم حتى نأخذ له مظلمته ممن ظلمه ، شريفا كان أو وضيعا .

قال الزبير : وحدثني إبراهيم بن حمزة ، عن جدي عبد الله بن مصعب ، عن أبيه قال:

إنما سمي حلف الفضول : أنه كان في جرهم رجال يردون المظالم يقال لهم:

فضيل ، وفضال ، ومفضل ، وفضل ، فلذلك سمي: حلف الفضول .

قال: وحدثني محمد بن حسن ، عن نوفل بن عمارة ، عن إسحاق بن الفضل قال:

إنما سمت قريش هذا الحلف حلف الفضول: أن نفرا من جرهم يقال لهم:

الفضل ، وفضال ، والفضيل ، تحالفوا على مثل ما تحالفت عليه هذه القبائل .

قال: وحدثني محمد بن حسن ، عن نصر بن مزاحم ، عن معروف بن خربوذ قال:

تداعت بنو هاشم ، وبنو المطلب ، وأسد ، وتيم فاحتلفوا على أن لا يدعوا بمكة كلها ولا في الأحابيش مظلوما يدعوهم إلى نصرته إلا أنجدوه حتى يردوا إليه مظلمته [ ص: 311 ] أو يبلوا في ذلك عذرا ، وكره ذلك سائر المطيبين والأحلاف بأسرهم وسموه حلف الفضول عيبا لهم ، وقالوا: هذا من فضول القول ، فسمي حلف الفضول .

أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال: أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا ابن حيويه قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني الضحاك بن عثمان ، عن عبد الله بن عروة بن الزبير ، عن أبيه قال: سمعت حكيم بن حزام يقول:

كان حلف الفضول منصرف قريش من الفجار ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ابن عشرين سنة .

وأخبرني غير الضحاك قال: كان الفجار في شوال ، وهذا الحلف في ذي القعدة ، وكان أشرف حلف كان قط ، وأول من دعى إليه الزبير بن عبد المطلب ، فاجتمعت بنو هاشم ، وبنو زهرة ، وتيم ، في دار عبد الله بن جدعان ، فصنع لهم طعاما ، فتعاقدوا وتعاهدوا ليكونن مع المظلوم حتى يؤدى إليه حقه ما بل بحر صوفة ، وفي التآسي في المعاش ، فسمت قريش ذلك الحلف: حلف الفضول .

قال محمد بن عمر: فحدثني محمد بن عبد الله ، عن الزهري ، عن طلحة بن عبد الله بن عوف ، عن عبد الرحمن بن زاهر ، عن جبير بن مطعم [قال:] قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:

[ ص: 312 ]

ما أحب أن لي بحلف حضرته في دار عبد الله بن جدعان حمر النعم ولو دعيت له لأجبت وهو حلف الفضول .

[قال محمد بن سعد ] قال ابن عمر: ولا يعلم أحد سبق بني هاشم بهذا الحلف

التالي السابق


الخدمات العلمية