الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب الوضوء من مس الذكر

                                                                      181 حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أنه سمع عروة يقول دخلت على مروان بن الحكم فذكرنا ما يكون منه الوضوء فقال مروان ومن مس الذكر فقال عروة ما علمت ذلك فقال مروان أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من مس ذكره فليتوضأ

                                                                      التالي السابق


                                                                      باب الوضوء من مس الذكر

                                                                      هل هو واجب .

                                                                      ( عروة ) : هو ابن الزبير ( فذكرنا ) : وفي الموطأ فتذاكرنا ( ما يكون منه [ ص: 239 ] الوضوء ) : أي من أي شيء يلزم الوضوء ( فليتوضأ ) : ليس المراد من الوضوء غسل اليد ، بدليل رواية ابن حبان ففيه : من مس فرجه فليتوضأ وضوءه للصلاة وبدليل رواية أخرى له : من مس فرجه فليعد الوضوء ، والإعادة لا تكون إلا لوضوء الصلاة . والحديث يدل على انتقاض الوضوء من مس الذكر .

                                                                      قال الإمام العلامة أبو بكر محمد بن موسى الحازمي في كتابه الناسخ والمنسوخ : وذهب إلى إيجاب الوضوء من مس الذكر جماعة ، وروى ذلك عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبي أيوب الأنصاري وزيد بن خالد وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وجابر وعائشة وأم حبيبة وبسرة بنت صفوان وسعد بن أبي وقاص في إحدى الروايتين ، وابن عباس في إحدى الروايتين ، وعروة بن الزبير وسليمان بن يسار وعطاء بن أبي رباح وأبان بن عثمان وجابر بن زيد والزهري ومصعب بن سعد ويحيى بن أبي كثير وسعيد بن المسيب في أصح الروايتين ، وهشام بن عروة والأوزاعي وأكثر أهل الشام والشافعي وأحمد وإسحاق وهو المشهور من قول مالك . انتهى .

                                                                      وحديث بسرة أخرجه مالك في الموطإ والشافعي وأحمد وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن الجارود من حديثها ، وصححه الترمذي ، ونقل عن البخاري أنه أصح شيء في الباب وقال أبو داود قلت لأحمد : حديث بسرة ليس بصحيح ، [ ص: 240 ] قال : بل هو صحيح وقال الدارقطني صحيح ثابت وصححه أيضا يحيى بن معين فيما حكاه ابن عبد البر وأبو حامد بن الشرقي والبيهقي والحازمي ، قال البيهقي : هذا الحديث وإن لم يخرجه الشيخان لاختلاف وقع في سماع عروة منها أو من مروان فقد احتجا بجميع رواته .

                                                                      قال الحافظ في التلخيص : وفي الباب عن جابر وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو وزيد بن خالد وسعد بن أبي وقاص وأم حبيبة وعائشة وأم سلمة وابن عباس وابن عمر وطلق بن علي والنعمان بن بشير وأنس وأبي بن كعب ومعاوية بن حيدة وقبيصة وأروى بنت أنيس . انتهى . وفي الباب آثار أيضا أخرجها مالك وغيره .

                                                                      واعلم أن المراد من مس الذكر مسه بلا حائل وأما المس بحائل فليس ناقضا للوضوء كما أخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حائل فليتوضأ ورواه الحاكم في المستدرك [ ص: 241 ] وصححه ورواه أحمد في مسنده والطبراني في معجمه والدارقطني في سننه وكذلك البيهقي ولفظه فيه من أفضى بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب فقد وجب عليه وضوء الصلاة .

                                                                      ثم اعلم أن حديث أم حبيبة مرفوعا بلفظ من مس فرجه فليتوضأ رواه ابن ماجه والأثرم وصححه أحمد وأبو زرعة يشمل الذكر والأنثى ولفظ الفرج يشمل القبل والدبر من الرجل والمرأة ، وبه يرد مذهب من خصص ذلك بالرجال وهو مالك . وأخرج الدارقطني من حديث عائشة إذا مست إحداكن فرجه [ فرجها ] فلتتوضأ وفيه ضعف . وأخرج أحمد والبيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أيما رجل مس فرجه فليتوضأ ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ قال الترمذي في العلل عن البخاري : وهذا عندي صحيح وفي إسناده بقية بن الوليد ولكنه قال حدثني محمد بن [ ص: 242 ] الوليد الزبيدي حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده . والحديث صريح في عدم الفرق بين الرجل والمرأة . قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي ، وابن ماجه ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، وقال محمد يعني إسماعيل البخاري : أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة . هذا آخر كلامه .

                                                                      وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه : وقد روينا قولنا عن غير بسرة ، والذي يعيب علينا الرواية عن بسرة يروي عن عائشة بنت عجرد وأم خداش وعدة من النساء لسن بمعروفات في العامة ، ويحتج بروايتهن ويضعف بسرة مع سابقتها وقديم هجرتها وصحبتها النبي صلى الله عليه وسلم وقد حدثت بهذا في دار المهاجرين والأنصار وهم متوافرون ولم يدفعه منهم أحد بل علمنا بعضهم صار إليه عن روايتها ، منهم عروة بن الزبير وقد دفع وأنكر الوضوء من مس الذكر قبل أن يسمع الخبر ، فلما علم أن بسرة روته قال به وترك قوله ، وسمعها ابن عمر تحدث به ، فلم يزل يتوضأ من مس الذكر حتى مات ، وهذه طريقة الفقه والعلم . هذا آخر كلامه .

                                                                      وقد وقع لنا هذا الحديث من رواية عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وجابر بن عبد الله وزيد بن خالد وأبي أيوب الأنصاري وأبي هريرة وعائشة وأم حبيبة رضي الله عنهم . انتهى كلام المنذري .




                                                                      الخدمات العلمية